مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي/ الحلقة 14

الكاتب : الجريدة24

27 مارس 2024 - 04:00
الخط :

أمينة المستاري

يحكي الطبيب الفرنسي عن فترة سباق الكر والفر بين مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ، من أجل تشكيل "حركة". فقد اعتمد هذا الأخير على الدعوة للجهاد ضد الفرنسيين "الكفار" وسانده الأخوة مانيسمان، لكنه عرف تراجع ساكنة الجديدة عن بيعتهم له وعادوا لبيعة مولاي عبد العزيز لذلك قرر مولاي عبد العزيز توجيه الحركة نحوهم، قبل أن يغير وجهته نحو زاوية بن ساسي والقلعة ومنها إلى مشرع الشعير أو :مشرع بن عبو" ليقيم محلته على وادي أم الربيع .

في دجنبر 1907 اندلعت ثورة في فاس بقيادة عبد الكبير الكتاني رئيس الزاوية الكتانية وكان يطمح لأن يفوز بالبيعة بدلا عن مولاي عبد العزيز الذي أعلن زواله من الملك، وفي 1908 دعي الشرفاء والعلماء إلى ضريح مولاي ادريس لاختيار خليفة للسلطان، لكن الكتاني صدم بعد بيعتهم مولاي عبد الحفيظ شريطة الجهاد ضد الفرنسيين والتنكر لميثاق الخزيرات ومنع الأوربيين من الإقامة بالمدن الداخلية.

شكل العلماء لجنة ثورية يرأسها الكتاني، واتخذت إجراءات ضد أسر مخزن مولاي عبد العزيز كالغرامات واعتقال أتباعه ، كما تشكلت حركة لمنع الفرنسيين من الوصول إلى فاس عبر وجدة وأنشأت صحيفة رسمية، وأغلقت دور الدعارة وأزيلت المراكز الأوربية...وفي 10 يناير سارت مكناس على درب فاس رغم مقاومة الباشا بن عيسى.

في يناير 1908 كان الوضع مزدوجا، فمولاي عبد العزيز لا يزال السيد  في المدن الساحلية ولو بالإسم على الأقل، باستثناء آسفي وسهول الغرب الساحلية والقصر، وجزء من دكالة وفخدة من الرحامنة والبرابيش ، وقسم من حاحا والشياظمة وإداوكلول، أما المناطق الداخلية فكانت قبائل تادلة وفية له أيضا.

أما مولاي عبد الحفيظ فكانت له تبعية معظم مناطق الحوز وعاصمة الجنوب وآسفي، وسهل مراكش، وتمت بيعته بفاس ومكناس وتافيلالت وكان له أنصار بطنجة.

كانت بين السلطانين فروق بسيطة، لكن كفة أحدهما كانت قابلة لتعلو بمساندة فرنسية ولم يكن ذلك طبعا في كفة مولاي عبد الحفيظ الذي نادى للجهاد ضدها، لذلك كان مولاي عبد العزيز يتوسل مساعدة فرنسا لنجدته، يحكي الجاسوس الفرنسي، لكن البرلمان الفرنسي عارض التدخل في سياسة المغرب الداخلية.

يسترجع المؤلف بعض الأحداث أثناء قيادة الجنرال داماد، الذي أذعن لأوامر باريس ولم يعترض تحركات مولاي عبد الحفيظ نحو الشرق ، الذي أجرى مفاوضات مع القائد عقا أوحمو الزياني، واستمر في تحركاته وبلغ عاصمة جده مولاي إسماعيل، ثم وصل فاس ودخلها على منوال السلاطين يهتف به سلطانا للجهاد.

لكن الأمر لم يكن سهلا بالنسبة لمولاي عبد العزيز، الذي منع من المرور بأراضي الشاوية بعد أن اعترضه الجنرال ماداد لكون هذا الجزء تحتله فرنسا باسمه (السلطان)، وهو ظلم ارتكبته فرنسا في حق صديقها السلطان الشرعي، يؤكد الطبيب في مؤلفه "على عتبة المغرب الحديث"، فلم يكن من السلطان سوى العودة أدراجه عبر طريق زعير الوعرة، وتلقاه أهلها بحفاوة .

في 24 يوليوز بلغ مولاي عبد العزيز صخرة الدجاجة التي كان قد حط فيها سابقا، ووقف بها للتفاوض مع قبائل تادلة وبني مسكين والسراغنة التي تمردت على مولاي عبد الحفيظ وأوقعت الهزيمة بمحلته، وهو ما منح المخزن شجاعة وتفاؤلا بدخول مراكش، خاصة وقد فسدت العلاقة بين المتوكي ومولاي عبد الحفيظ، وكان السلطان الشعري كلما تحرك إلا وانضاف إليه الرجال، وجاءت قبائل تادلة لتقديم الولاء له في صخرة الدجاجة، وكلت بالدفاع عن أراضيها من هجوم زايان.

في 1 غشت نزلت المحلة بضفاف أم الربيع، وأرسلت بعض القبائل( البرابيش، فخدات من الرحامنة) تعرض الاستسلام، لكن المفاوضات فشلت بسبب النهب الذي تعرضت له دواويرها من طرف سوقات الشاوية، ليعود السلطان مولاي عبد العزيز إلى مشرع بن خلو، وعبر أم الربيع فيما كان السراغنة يبذلون جهدا في دفع هجومات مولاي عبد الحفيظ.

وصل مولاي عبد العزيز القلعة، فوجدها قد تعرضت للتخريب وأسر رجالها عند مولاي عبد الحفيظ، في الوقت الذي كانت المحلة الشريفية قد بلغ عددها 6000 من الرجال، أرسل منهم 1500 لمهاجمة القوات الحفيظية التي يقودها عمر السكتاني ، هذا الأخير كان ينوي مباغتة السراغنة لكنه هزم وفر إلى ضواحي دمنات وأسر عدد من الأسرى ..ولم يبقى سوى الحاق الهزيمة بعلال الكلاوي قائد دمنات الذي كان يسير في ذلك الوقت نحو القلعة.

تمكن مولاي عبد العزيز من تنظيم جيشه، لكن عند لقاء الخصم وقع ما لم يكن في الحسبان، وتشتت الجنود في الجناح الأيسر والأيمن وتملكهم الهلع بعد إطلاق الطلقات الأولى، لن السلطان استمر يدافع عن نفسه ولم يكن أمامه في الأخير سوى التراجع، بعد أن بقي معه قلة قليلة من الفرسان، كمحمد القري والدكتور فيردون وقدور بن غبريط ...يحميه الملازم أول ماريشال من البعثة العسكرية والعقيد المدرب الإنجليزي بالدين.

فر مولاي عبد العزيز ومن معه من وابل من الرصاص في اتجاه الشمال، عبر السراغنة وأم الربيع وبني مسكين، وصولا إلى كيسر حيث تلقته تجريدة فرنسية، وفي 21 غشت وصل السلطان إلى الدار البيضاء وأعلن تنازله عن العرش.

بعد أن علم البارون لانكن، وهو المكلف بشؤون السفارة الألمانية، خبر تنازل السلطان، نبه وزارة الخارجية إلى ضرورة الاعتراف بمولاي عبد الحفيظ لكونه ضامنا لتهدئة المملكة الشريفة.

قام الفرنسيون بمطالبة مولاي عبد الحفيظ بالاعتراف بميثاق الخزيرات وغيرها من الاتفاقات والتنكر للجهاد ضد فرنسا، وتسوية مشرفة لمولاي عبد العزيز ومخزنه، فإذا قبل كل ذلك ضمنت له اعتراف إسبانيا أيضا. وفعلا وافق السلطان الجديد على الاتفاق لاسيما وقد سارع المتوكي إلى مسالمته، ليستقبل مولاي عبد الحفيظ بالترحاب والحماس الشعبي.

آخر الأخبار