مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي/ الحلقة 16

الكاتب : الجريدة24

29 مارس 2024 - 10:00
الخط :

أمينة مستاري

اندلعت حرب الريف في 9يوليوز 1909 ، ووقعت مذبحة ذهب ضحيتها بعض العمال الإسبان، ما جعل الجنرال مارينا يرد على الواقعة بالاستيلاء على قلعة أطالايون وجبل كوروكو.

تحصن الريفيون في الجبال وتمكنوا أن يرهبوا الإسبان لإتقانهم الرماية وتدبير الذخيرة، وبعض هزائم منيت بها الجيوش الاسبانية تمكنت أخير من احتلال جبل الناظور، وقصبة سلوان ...ثم جزيرة قلعية.

كانت المعاهدتين المبرمتين بين المغرب وإسبانيا في 1767و1799 تخولان لإسبانيا أت تقوم بالإجراءات البوليسية الضرورية في جزيرة قلعية لحفظ الأمن بمليلية، أما اتفاقية 1860 فنصت على أن السلطان يتعهد في تلك القبيلة حامية مكونة من 400 رجل، لكن لم يكن لها وجود لذلك اعتبر أن اسبانيا لم تكن داخلة في حرب مع المغرب بل مارست حقها بحسب الاتفاقيات، وتواصلت المفاوضات الاسبانية المغربية لتنتهي في نونبر 1910 باتفاق مستوحى من اتفاق 4 مارس .

بعد اعتراف السلطان بالبعثة العسكرية الفرنسية، عهد إليها بتدريب القوات ومراقبة أعداد الجنود ...فعمل القائد ميل على إبعاد العاجزين وغير المرغوب فيهم وأنشأ مدرسة ضباط الصف لتكوين الجيش الشريف في المستقبل، رغم احتجاجات القادة العسكريين من الأهالي التي أسكتها السلطان.

بعد أن قضى مولاي عبد الحفيظ على بوحمارة، انقلب على فرنسا وعلى البعثة العسكرية وصار يخاف الأجانب، فانحاز إلى جانب الشرفاء والعلماء ونكث وعده وعاد إلى نظام القيادات والمحلات غير المأجورة.

في دجنبر 1909 قام مولاي الكبير، أخ السلطان  المقيم بتازة بالعصيان ، فأرسل جنوده وأقام شهورا لدى الحياينة، قبل أن تتحول المحلة عن أهدافها وتحولت إلى السلب والنهب والحرق في الدواوير وبيع عتادها الحربي وتطالب بالمزيد من العزيزات والذخيرة والأموال، فقات بإطلاق سراح الأسرى مقابل فديات، وباعت النساء والأطفال ولم يستفد المخزن منها إلا ببعض المواشي...وه ما دفع السلطان إلى إعادة تنظيم جنوده حسب نظام مانجان.

استدعى السلطان المحلة إلى فاس، وتم جمعهم في ساحة المشور لكن بدلا عن إقامة استعراض، كما ظن الجنود، وجدوا أمامهم المدربون الفرنسيون لتجريدهم من السلاح ليجد هؤلاء نقصا كبيرا في الجياد والأسلحة والألبسة...لكن تمكن قائد البعثة من استعادة السلاح وتجريد الجنود من السلاح وقمع تمرد كان على وشك الوقوع، ثم قام بقراءة مرسوم شريف لإعادة تنظيم الجيش والنظام العسكري وشروط التجنيد الجديدة والعقوبات والتحفيزات...

قبل 4 آلاف جندي من بين 5500 قبلوا العمل حسب الشروط الجديدة، تم إلحاق ثلاثة أرباع منهم بالجيش، وغادر الباقي فاس، وقرر السلطان تكوين خمسة طوابير  يمكنه دفع رواتبهم، حسب نصيحة قائد البعثة مانجان، لكن مكاتب وزارة الحربية لم تكن موافقة على التنظيم الجديد فلم ترسل التعزيزات التي طلبها القائد، إلا قليلا، ولم تستجب إلا في مارس 1911، لكن بعد فوات الأوان، فقد اندلع العصيان في جميع قبائل فاس وحتى الساحل، فاستحال التحاق الضباط الفرنسيين الذي طالب القائد مانجان بإلحاقهم بالجيش.

كانت تلك الأحداث سببا في قبول الحكومة المغربية بتدخل الفرنسيين بعد أن كان مستبعدا في وقت سابق، خاصة وأن "المغرب  القديم كان على شفا حفرة ومهددا بالزوال"، يقول الطبيب الفرنسي في مؤلفه.

في الفصل 16 "إغاثة فاس" يحكي الجاسوس الفرنسي فريديريك عن حال البلاد بعد أن جفت الموارد المالية بسبب سوء التدبير، والمديونية ولم يكن أمام المخزن سوى قمع القبائل المتمردة بأي وجه كان، وإرهاقها بالضرائب واستمرار أسلوب النهب والسلب بفعل جشع القياد، خاصة المدني الكلاوي الذي دفع القبائل  وبعض الشخصيات كالقايد عقا البويدماني إلى الخروج عن المخزن عوض دعمها له.

وقامت قبائل بني مطير ومجاط وزمور وكروان بجنوب مكناس باجتماع في فبراير 1911 قررت فيه الاتحاد ضد المخزن ومحاولة اختطاف السلطان ووزيره الصدر، لكن وقبل تمردها سبقها الشراردة التي اتحدت مع بني حسن وحجاوة للخروج إلى السيبة، فقرر السلطان إرسال حركة لقمع المتمردين، وأفلح مانجان في إقامة معسكره في الشراردة بعد سلسلة من المعارك.

خرجت قبائل البربر من بني مطير وحلفائها للتمرد، وبعد دفعهم عن معسكر مانجان، قاموا بقطع الطريق بين فاس وفيلق الشراردة، واتفقوا مع قبائل سايس العربية فتمركزوا في راس الما وتحكموا في الطريق الرابطة بين فاس والمدن الساحلية.

كان على السلطان التفاوض، فقام المتوكي بالمفاوضات لكن قوات البربر رفضت قرارات القادة، وساءت الأحوال مما جعل مانجان يعود لفاس للدفاع عنها، ولم ينجح السلطان في الهجوم على القوات المتمردة براس الما، فمني بهزيمة تلو الأخرى، فلم يكن منه سوى طلب القوات الفرنسية المتمركزة في الشاوية.

حاول المخزن هذه المرة التفاوض مع القبائل المتمردة، بواسطة الشريف مولاي ادريس الأمراني لكنه فشل، وتعرض للهجوم في نزالة فراجي ضواحي فاس، وعاد يرتدي قميصا وملفوفا في إزار .

تلقى القائد بريمون الذي عوض مانجان في الشراردة أوامر بدخلو فاس، لكن الحصار كان قويا ومنيت كل المحاولات بالفشل، بعد إتمام الحصار من طرف المتمردين.

تمكن أحد المبعوثين من طرف السلطان من الوصول لوجدة من أجل إيصال رسالة لطلب إرسال قوات فرنسية، ومنه وصل الطلب لباريس، التي كان لها في الشاوية 7 آلاف رجل بقيادة الجنرال موانيي الذي تلقى أمرا بالزحف على فاس والانسحاب بعد استتباب الأمن بها إلى الساحل.

كما تم تدبير قرض فرنسي للمخزن من أجل دفع رواتب الجنود وتفادي فرار جماعي للجنود الذين أصابهم يأس ، بعد امتناع الكلاوي عن تقديم سلف للسلطان.

علم المتمردون بما يعاني منه المخزن، فقاموا في إحدى الليالي بتسلق أسوار المدينة لإضرام النيران في الأبواب، وهاجموا الأسوار بحمية ملتهبة، وأمطروا المدينة بالرصاص الذي بلغ ساحات القصر، لكن محاولاتهم أجهضت من طرف الحامية ، في انتظار وصول النجدة الفرنسية بقيادة موانيي، هذا الأخير قضى على محاولات المقاومة في طريق من المهدية إلى فاس.

آخر الأخبار