أعلام فاس وعلماؤها…أبو العباس الونشريسي تلمساني أفتى في فاس

الكاتب : الجريدة24

03 أبريل 2024 - 11:00
الخط :

 فاس: رضا حمد الله

"لو أن أحدا حلف بالطلاق على أن أبا عباس الونشريسي أحاط بمذهب مالك وأصوله وفروعه، لبر في يمينه".. تلك أبلغ شهادة قالها ابن غازي في حق أبو العباس أحمد الونشريسي مفتي فاس وحل بها من تلمسان، حيث انكب على تدريس المدونة وفرعي ابن الحاجب" كما ذكرت مصادر.

في المسجد المعلق بالشراطين بالمدينة القديمة، درس أبو العباس المسمى "الونشريسي" نسبة لموطنه الأصلي بجبال الونشريس، قبل إسناد الكراسي الوقفية إليه في أهم مساجد فاس ومدارسها في القرن التاسع الهجري، حيث اشتهر وعرفه معاصروه وعرف نفسه في مجموعة من الوثائق له.   

وبما أنه كان شديد الشكيمة في الدين لا تأخذه في الله لومة لائم، لم يكن له سابق اتصال مع أمراء بما في ذلك في عهد السلطان أبو عبد الله محمد بن أبي ثابت المتوكل على الله الزياني المشتهر بتشجيع العلماء ورعايتهم، دونه حاول إخضاعها بالضغط عليه بكل الطرق والوسائل.

صادر السلطان الزياني أمواله وهدم داره، لكنه نجا من اقتحامها وغادر تلمسان مكرها وخرجها هاربا لتكون فاس وجهته حيث استقر وتنفس من محنة خاصة أمام ما لقيه من ترحاب وتبجيل واحتفاء من طرف علماء وفقهاء فاس أقبلوا عليه لينهلوا من دروسه وفقهه، كما طلبته.

هذا الاهتمام أنساه في محنته بتلمسان، كما احتضان الفاسيين له وإقبالهم على كراسيه درس فيها المدونة ومختصر ابن الحاجب، وعرف عنه أنه كان متمكنا من الفقه المالكي مشتغلا به تأليفا وتعليما وفتيا، إضافة إلى شهرته بفصاحة اللسان والكتابة والنحو، حتى أنه لقب ب"سيبويه".

وظل الرجل مقبلا على التعلم حتى في كبره، وكان يحضر مجالس محمد اليفرني المكناسي قاضي الجماعة، واستفاد من نوازل البرزلي والمازوني خاصة ما يتعلق بفتاوى إفريقية ولفقهاء تلمسان التي قصدها في صغره قادما من منطقة الحجالوة بجبال الونشريس حيث حفظ القرآن وتعلم العربية.     

وكان لمجموعة من الشيوخ فضل عليه إن بتلمسان أو المغرب بمن فيهم الإمام أبو الفضل قاسم بن سعيد بن محمد العقباني التلمساني المالكي شيخ الإسلام ومفتي الأنام، وابنه قاضي الجماعة أبو سام إبراهيم العقباني وحفيده القاضي محمد بن أحمد بن قاسم، والإمام شيخ شيوخه وقته بتلمسان.

وكانت للونشريسي مكانة كبيرة بين علماء عصره ممن قالوا شهاداتهم في حقه بمن فيهم ابن غازي الذي عاصره، كما أحمد المنجور الذي قال في فهرسته إنه "كان مشاركا في فنون العلم، إلا أنه لما لازم تدريس الفقه يقول ما لا يعرفه: إنه لا يعرف غيره، وكان فصيح اللسان والقلم".

واستطاع أبو العباس الونشريسي أن يجد لنفسه مكانا ضمن كبار علماء فاس ممن ذاع صيتهم على غرار أبي عبد الله القروي وأبي العباس أحمد بن محمد البرنسي الشهير برزوق وأبي عبد الله محمد ابن غازي المكناسي، كما تخرج على يديه كثيرون منهم ابنه عبد الواحد والورتدغيري.   

ولم يقتصر في مساره على التدريس، بل انكب على التأليف وكانت له مجموعة من المؤلفات منها كتابه "المعيار المعرب عن فتاوى أهل أفريقية والأندلس والمغرب" ويوصف بأعظم كتبه وطبع في فاس في 12 مجلدا جمع فيها فتاوى ونوازل ونصوص ذات أهمية بالغة في معرفة الحياة.

ومن كتبه أيضا "إضاءة الحلل في الرد على من أفتى بتضمين الراعي المشترك" و"المنهج الفائق والمنهل الرائق بأدب الموثق" و"الولايات في مناصب الحكومة الإسلامية والخطط الشرعية" وإيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك" و"غنية المعاصر والتالي في شرح فقه وثائق الفشتالي".  

آخر الأخبار