مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي/ الحلقة 28

الكاتب : الجريدة24

09 أبريل 2024 - 11:00
الخط :

أمينة المستاري

باستثناء عبدة والمدن الساحلية، أعلن الجنوب العصيان وسقط ستة فرنسيين أسرى في يد الهيبة، من بينهم القنصل ميكري ، فيما تمكن آخر من الاختباء عند الحاج التهامي الكلاوي وقام بالتراسل مع السجناء وفيلق مانجان.

قام "القياد العظام "بطلب النجدة من الفرنسيين فيما شعرت ساكنة مراكش بالانزعاج من من عمليات النهب والسلب الذي تتعرض له من الهيبة، الذي لم يتمكن من الزحف نحو الشاوية بعد أن أوقفه فيلق مانجان، عذا الأخير لم يكن على دراية جيدة بالمغرب ولم يحسب حسابا لعملية الزحف على مراكش.

قرر ليوطي الزحف رغم معارضة الحكومة، وأعطى أمره للقائد مانجان، ووفي 6 شتنبر وقعت معركة سيدي بوعثمان، ثم  قام القائد سيمون بغارة جريئة انتهت بفرار الهيبة ودخول الفرنسيين مراكش في 7 شتنبر 1912.

شارك بعض أفراد قبيلة المويسات بعبدة في الحرب إلى جانب الهيبة، وظن من يحاربون إلى جانبه أن بركة زعيمهم تشكل حصنا لهم ولن تمسهم قذائف وصواريخ الفرنسيين في أرض منبسطة، لكن الواقع كان غير ذلك، فقد سحقتهم القذائف وفر من فر وقتل من قتل .

زحف القائد سيمون في اليوم الموالي على مراكش، وزوال ذلك اليوم وصل فيلق مانجان إلى كليز، وفي المساء استعاد الحاج التهامي الكلاوي مهام الباشوية على مراكش.

في 16 شتنبر، وصل ليوطي إلى أسفي وتقدم التهنئة والشكر لعيسى بن عمر على مساعداته، هذا الأخير قام بنشر الأمن على امتداد الطريق الرابط بين أسفي ومراكش لتسهيل مرور الجنرال ليوطي، الذي وصل إلى مراكش في 5 أكتوبر، يرافق الفيلق الجاسوس الفرنسي فريديريك.

لم تكن فرنسا، يؤكد فريديريك، تعتزم احتلال التراب الشاسع والقضاء على الاقطاعيين الكبار، لخوفها من المجهول وعدم توفرها على القوات الكافية، لذلك أوكل للقياد العظام نصيب كبير من إدارة البلاد، خاصة سي عيسى بن عمر، سي المدني الكلاوي، الحاج التهامي الكلاوي، المتوكي والكندافي والرحماني.

قدم فريديريك في مذكراته الشخصية نبذة عن المتوكي ووصفه ب"الانتهازي العجوز، ينحاز لمن يرى فيه مصلحته، انحاز في وقت للسلطان مولاي عبد العزيز، ثم مولاي عبد الحفيظ. فقذ نفوذه على يد الإخوة الكلاوي ثم استعادها وتفوق على منافسيه ، وبعد ظهور الهيبة قدم له العون من أسلحة وذخيرة وقوات ، قبل أن يقدم له مانجان ظروف التخفيف وتركه على رأس قيادته.

أما الكندافي فكان في عقده السادس، ذكي، كان قد بايع مولاي عبد الحفيظ سنة 1907 ، انسحب إلى الجبال قبل أن يعود بعد 5 سنوات ليقدم التحية للمقيم العام، وبقي محايدا في فترة وجود الهيبة بالحوز، قبل أن يسهل له الفرار بالمرور بأراضيه في اتجاه سوس.

فيما العيادي الرحماني فهو ذكي سبق له أن كان قاطع طريق، قبل أن يربط علاقات جيدة مع السلطات الفرنسية بالشاوية، ساعد مانجان في تنفيذ عمليات عسكرية فكانت مكافأته جعله قائدا على الرحامنة، كما حارب إلى جانبها سنة 1911 وهناك قتل.

ليلة انتقال ليوطي إلى الرباط، استقبل شقيقي السلطان وخليفته على الحوز والقياد بمراكش، وعرض عليهم الخطوط العريضة لسياسة فرنسا ، وطلب منه التعاون من أجل إعادة الحياة إلى المغرب، وما يمكن أن يستفيدوا منه، وحذر من استغلال النفوذ على رعاياهم، والتوافق بين العمال الفرنسيين والمغاربة.

ظن أهل الحوز أنهم تحرروا من استغلال القياد العظام، لكنهم فوجئوا بمبعوثي المدني والكلاوي معززين بقوات فرنسية ينهبون مسفيوة وتكانة، وهو ما وقف عليه مانجان أثناء زيارته فيما بعد للمنطقة.

عاد  فريديريك إلى الرباط في 13 أكتوبر، مر خلال رحلته بالسراغنة وبني مسكين وامزاب والمداكرة والزيايدة.

بلغ الطبيب الفرنسي فريديريك العاصمة الإدارية، وفي مذكراته عبر عن إعجابه بعمل ليوطي ووصفه ب"عملا عظيما"  في فترة لم تتعدى 5 أشهر، ولخص تلك الأعمال في قمع المتمردين، واحتلال بلاد المخزن ونشر الأمان فيها باستثناء سوس وتافيلالت، ورمم أركان الحكومة الشريفة، ورسخ لسلطة السلطان ونظم الإدارة المركزية لنظام الحماية، بعد أن عرف هذا النظام معارضة من طرف مولاي عبد الحفيظ، هذا الأخير يضيف فريديريك قام ب" إضاعة الهيبة الشريفة بتجاوزاته وتسيبه، فكان عزله أمرا أفرح السكان، ولم يكن السلطان الجديد معروفا لكنهم اكتشفوا أن مولاي يوسف كان رجلا مسلما لا تشوبه شائبة ويراعي التقاليد وزاهد في الملاهي الباطلة".

وقد كانت فترة ستة أشهر الأولى من حكم مولاي يوسف كافية لزرع جو من الطمأنينة، وتمكن من استمالة الناس مع مرور الوقت بفضل رزانته ووقاره ، فوجد مساعدة من المقيم العام "الحريص" على الحفاظ على الهيبة الشريفة.

أصبح المخزن يقوم بوظائفه بانتظام، وأبقى فقط على وزارة الداخلية، وزارة المالية، وزارة العدل، ومع مرور الوقت أزيلت الوزارة الأولى لأن المقيم العام كان يقوم بدور الوسيط  بين السلطان والدول الأوربية، وفيما بعد أحدثت وزارة الحرب، وأجهزة أخرى كالأشغال العمومية وإدارة التعليم...في 30 نونبر توجه مولاي يوسف إلى مراكش، وبقي الصدر الأعظم محمد القري بالرباط، فيما تمكن فريديريك وايسجربر من إجراء حوار لجريدة "الطان" عبر فيه عن امتنانه لحكومة فرنسا عن الخدمات التي قدمتها للمغرب وزرع الأمن والأمان به، وأن ذلك مكن من اتاذ مجموعة من التدابير لإعادة تنظيم المالية، أملاك الدولة، إدارة الحبوس...وذلك بما يتناسب مع مبادئ الشريعة الإسلامية والمعاهدات السابقة، وعبر السلطان عن التزامه بالتقاليد التي ورثها عن والده مولاي الحسن ، وأضاف أنه سيتوجه إلى مراكش وكل أمله أن يجد من أهل الحوز استقبالا ينم عن احترامهم وتقديرهم لسلطانهم.

كان مجيء السلطان في محلته الشريفة متزامنا مع سقوط المطر، فاعتبره البدو دليلا على البركة الشريفة، فاستقبلوه بحفاوة كبيرة.

انهمك ليوطي في إحداث مصالح الحماية كديوان المقيم العام ومكاتبه الدبلوماسي والعسكري والسياسي وكاتب عام، إدارة المصالح المالية والأشغال العمومية.

وتم توزيع مهام الكاتب العام بالإدارة والشرطة والعدل والتعليم والشؤون الدينية ، وهو صلة الوصل بين المخزن والإقامة وجهاز مراقبة السلطات الشريفة، فيما اختصت الإدارة العامة للمصالح المالية بالمالية، والقرض العمومي والأملاك والتجارة والجمرك والبريد والتلغراف والتلفون، أما الإدارة العامة للأشغال العمومية فأوكل إليها جميع الأشغال ذات العلاقة بالمصلحة العامة كالطرق، السكك الحديدية، الجسور، المراسي، الفلاحة، المياه والغابات....

وكل هذه الإدارات كانت تحت إدارة المقيم العام، يساعده مفوض الإقامة السيد أولير. كان الجنرال ليوطي، يذكر الكاتب والجاسوس الفرنسي، حاضرا في كل مكان يشرف على كل شيء ورمز للعمل يبث الحماسة في أفراد فريقه...كان رجلا فذا له تصوره حول دور فرنسا في المغرب .

كتاب "على عتبة المغرب الحديث"، مرجع مفصل عن فترة تاريخية من تاريخ المغرب، خاصة انهيار المخزن ووقوع البلاد فريسة المستعمر، والتغييرات الجدرية التي عرفها تسيير شؤون المملكة، والوضعية الداخلية لها وصورتها الخارجية، والصراع الداخلي على السلطة والخارجي الذي تمثل في الصراع الأوربي لاقتسام المغرب واعتباره " كعكة " يمني كل بلد خاصة ألمانيا، فرنسا، اسبانيا، وبريطانيا بأخذ جزء منه، والظفر بموطئ قدم فيه، قبل أن تتمكن فرنسا وإسبانيا من وضع أقدامها فيه، بعد فترات من عدم استقرار سياسي واجتماعي، وتفاصيل يسردها الطبيب الفرنسي الذي كان جاسوسا عمل على وضع خرائط تعرف بمجموعة من مناطق المغرب التي قام باستكشافها من أجل تسهيل استعماره، وعايش فترة حكم ثلاث سلاطين، ورصد التغيرات الاجتماعية للمجتمع المغربي بكل تجلياتها.

آخر الأخبار