تنامي الفساد في القطاعات الحيوية.. البرلمان يدق ناقوس الخطر

شهد الاجتماع الذي عقدته لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بحضور رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، محمد بشير الراشدي، اليوم الجمعة، نقاشاً حاداً حول تزايد مظاهر الفساد والرشوة في قطاعات متعددة، حيث عبّر البرلمانيون عن قلقهم الشديد حيال تفشي هذه الظاهرة التي تمس حياة المواطنين وتعرقل التنمية.
ودارت مناقشات مطولة حول مشروع الميزانية الفرعية للهيئة لعام 2025، وأُثيرت تساؤلات جدية حول نجاعة السياسات المعتمدة لمكافحة الفساد والنتائج المترتبة عليها.
في بداية الاجتماع، وصف البرلمانيون الوضع بأنه "لا يُحتمل"، مشددين على ضرورة الإسراع في اتخاذ إجراءات ملموسة للحد من انتشار الرشوة والفساد، وهو ما أكده نور الدين مضيان، البرلماني السابق ورئيس الفريق الاستقلالي، عندما كشف عن "أسعار محددة" للحصول على شهادات عليا في الجامعات المغربية، مما أضفى صدمة إضافية على النقاش.
وقال مضيان: "إذا كانت الرشوة قد تغلغلت في الجامعات، فماذا نقول عن قطاعات أخرى كالصحة والإدارة؟".
هذا التدني في القيم داخل الجامعات، كما وصفه البرلمانيون، يُعتبر بمثابة مؤشر خطير على مدى تغلغل الفساد في المجتمع.
وأعرب البرلمانيون عن تخوفهم من أن تصبح الرشوة جزءاً من الثقافة العامة في مؤسسات التعليم العالي، مشيرين إلى أن ذلك يهدد المكاسب التي تحققت سابقاً في سبيل تعزيز النزاهة في قطاع التعليم.
من جانبه، أقرّ الراشدي بأن الجهود المبذولة لمكافحة الفساد لم تأتِ بالنتائج المرجوة، موضحاً أن تصنيف المغرب في مؤشرات الفساد العالمية لم يتحسن سوى بنقطة واحدة على مدار عشرين عاماً، بل شهد تراجعاً في ترتيبه.
وتحدث عن عوائق جوهرية تتعلق بضعف التنسيق بين الجهات المعنية وتجزئة الجهود، مما يعيق تنفيذ الاستراتيجيات بشكل فعّال.
وأكد الراشدي أن هذا الوضع يتطلب نهجاً جديداً يستند إلى تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، داعياً إلى إجراء عملية تشاورية واسعة لجمع الآراء والمقترحات من مختلف الأطراف المعنية.
في سياق آخر، أشار الراشدي إلى أن الهيئة قد أتمت 68.5% من برامجها المخططة حتى نهاية أكتوبر الماضي، لكنه أفاد بأن الحكومة قد خفّضت الميزانية السنوية المخصصة للهيئة بمقدار 60 مليون درهم، لتصل إلى حوالي 210 ملايين درهم في عام 2025 بعد أن كانت حوالي 269 مليون درهم في عام 2024.
وبيّن أن هذه الميزانية موزعة بين ميزانية التسيير التي تشمل نفقات الموظفين بقيمة 114 مليون درهم والمعدات والنفقات المختلفة بقيمة 46 مليوناً و350 ألف درهم، إضافة إلى ميزانية الاستثمار التي تبلغ 28 مليوناً و828 ألف درهم كاعتمادات أداء و21 مليون درهم كاعتمادات التزام.
رغم أن هذا التخفيض في الميزانية يمثل تحدياً كبيراً، إلا أن الراشدي شدد على أن الهيئة عازمة على الاستمرار في جهودها لمكافحة الفساد، مشيراً إلى ضرورة تعزيز الدعم المالي للهيئة حتى تتمكن من تحقيق نتائج ملموسة.
من بين المقترحات التي أثيرت خلال الاجتماع كانت ضرورة تطوير استراتيجية وطنية جديدة أكثر شمولاً وتفاعلاً، حيث أكد بعض البرلمانيين أن الاستراتيجية الحالية لم تحقق النتائج الملموسة التي تواكب طموحات الدولة، ودعوا إلى اعتماد آليات مراقبة دقيقة ومتجددة، والتعاون مع جهات دولية ذات خبرة لتبادل التجارب الناجحة في مكافحة الفساد.
ويرى المتابعون أن هذه المناقشات تُعد بداية لمسار جديد أكثر شجاعة في مواجهة الفساد، إذ يطالب البرلمانيون بتفعيل قانون محاربة الرشوة بصرامة، وبتطبيق عقوبات رادعة تعيد الثقة إلى المواطنين.