بعد أزمة البرتغال.. هل يصبح المغرب الوجهة المفضلة لشركات النسيج الأوروبية؟

في السنوات الأخيرة، حقق المغرب طفرة اقتصادية مهمة جذبت انتباه المستثمرين الأجانب بشكل متزايد، حيث تحول إلى وجهة رئيسية للاستثمارات بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي والبنية التحتية الحديثة.
ويُعتبر المغرب بمثابة جسر بين أوروبا وإفريقيا، مما يوفر للشركات الأوروبية، وخاصة الإسبانية، فرصًا لوجستية وتجارية مميزة للوصول إلى أسواق جديدة بأقل تكلفة.
هذا الموقع الفريد ساهم في استقطاب عدد كبير من الشركات التي تبحث عن بيئة استثمارية مستقرة وأكثر تنافسية، وسط الأزمات التي تضرب بعض الدول الأوروبية.
واحدة من أبرز الظواهر التي ساهمت في تدفق الاستثمارات إلى المغرب هو انهيار قطاع النسيج في البرتغال، حسب ما أكدته عدد من التقارير الإعلامية الإسبانية، حيث أعلنت أكثر من 1000 شركة إفلاسها خلال عام واحد.
هذه الأزمة دفعت العديد من الشركات الإسبانية، حسب المصادر ذاتها، خاصة في منطقة غاليسيا، إلى إعادة توجيه استثماراتها نحو المغرب كبديل اقتصادي جذاب.
وأكدت التقارير الاسبانية، أن الشركات التي نقلت إنتاجها إلى المغرب تستفيد من تكاليف الإنتاج المنخفضة والقدرة على الوصول إلى أسواق متعددة، وهو ما لم تعد تستطيع تحقيقه في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا.
قطاع النسيج في المغرب، رغم التحديات التي واجهها في السنوات الأخيرة بفعل جائحة كوفيد-19، لا يزال أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني.
ويضم هذا القطاع أكثر من 1600 شركة توظف حوالي 190 ألف عامل، بحجم مبيعات يصل إلى 5 مليارات دولار.
هذه الإمكانيات جعلت المغرب وجهة مفضلة للشركات الإسبانية التي تسعى إلى تجاوز تداعيات الأزمة البرتغالية والبحث عن أسواق أكثر استقرارًا وتنافسية.
إلى جانب قطاع النسيج، يعزز المغرب مكانته كقطب استثماري عبر تنمية قطاعات أخرى، أبرزها قطاع السيارات والصناعات التكنولوجية.
في هذا السياق، شهدت الاستثمارات الأجنبية في المغرب خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2024 ارتفاعًا بنسبة 50.7% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغت 16.3 مليار درهم، وفقا لما كشف عنه رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
هذا الارتفاع الكبير يأتي بفضل الاتفاقيات الاستثمارية التي أبرمتها الحكومة المغربية، والتي تهدف إلى جذب المزيد من المستثمرين الأجانب من خلال تقديم حوافز وضمان بيئة استثمارية مواتية.
من أبرز المشاريع التي تبلورت مؤخرًا، مشروع ضخم لإنتاج البطاريات الكهربائية بقيمة استثمارية تبلغ 3 مليارات درهم، والذي يتوقع أن يساهم في خلق 2500 فرصة عمل جديدة.
هذا المشروع، حسب ما كشف عنه رئيس الحكومة في قبة البرلمان، يمثل نقلة نوعية في قطاع الصناعات المتقدمة بالمغرب، ويعزز من طموحه ليصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا في تصنيع وتصدير البطاريات والسيارات الكهربائية.
كما أن المغرب يعمل حاليًا، وفقا للمتحدث ذاته،على تطوير قطاع الطاقات المتجددة، وخاصة الهيدروجين الأخضر، بهدف تعزيز دوره كقوة رئيسية في مجال الطاقات النظيفة.
ووقعت الحكومة مؤخرًا مذكرة تفاهم لإنشاء أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة في إفريقيا، بقيمة استثمارية تناهز 65 مليار درهم.
ويُتوقع أن يساهم هذا المشروع في خلق 25,000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة، ويعزز موقع المغرب كمركز صناعي رائد في مجال الطاقة المتجددة.
وتأتي هذه التطورات في ظل رؤية استراتيجية للحكومة المغربية التي يقودها رئيس الوزراء عزيز أخنوش.
وسبق أن أكد أخنوش في كلمته بمجلس النواب، أن الحكومة نفذت سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال وتعزيز البنية التحتية التجارية والصناعية.
وأشار أخنوش إلى أن المغرب بفضل شبكة اتفاقيات التجارة الحرة التي تربطه بالعديد من الدول، تمكن من الوصول إلى أكثر من 2.6 مليار مستهلك حول العالم، مما يجعله وجهة مثالية للشركات العالمية التي تسعى إلى توسيع أنشطتها.
تلك الإصلاحات لم تكن محصورة فقط في قطاع معين، بل شملت مختلف جوانب الاقتصاد الوطني، حيث تسعى الحكومة إلى تعزيز تنوع القطاعات الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة.
وفي ظل القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، يستمر المغرب في تعزيز مكانته كقوة اقتصادية إقليمية، معتمداً على استراتيجيات مبتكرة وتطوير قطاعات جديدة تعزز من تنافسيته على الصعيد العالمي.
بهذه الخطوات الواثقة، يتجه المغرب نحو مستقبل واعد، حيث لا يقتصر دوره على استقطاب الاستثمارات، بل يسعى إلى أن يكون مركزًا رئيسيًا للابتكار والتصنيع في مجالات متعددة، مما يعزز من دوره في الخارطة الاقتصادية العالمية ويؤمن له مكانة مرموقة بين الدول الصناعية الصاعدة.