"توفيق بوعشرين" والعلمانية.. الهرولة للعودة من باب السطحية

الكاتب : الجريدة24

03 ديسمبر 2024 - 12:56
الخط :

هشام رماح

لعل المثير بعد ما ندَّ عن فم أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، من تصريحات بشأن بعض مما دار بينه ووزير الداخلية الفرنسي خلال الزيارة الأخيرة لـ"إيمانويل ماكرون"، الرئيس الفرنسي للمغرب، أن الكل "تقافز"، يحاول أن يتحفنا بما ترسب لديه بعدما استفتى قلبه وحده، في أمر "العلمانية".

لكن، أن يجانب البعض مثل "توفيق بوعشرين"، فهم مقاصد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، من كلامه مع وزير الداخلية الفرنسي، والارتماء سريعا للرد عليه، في شأن مفهوم متشعب، بطريقة سطحية دون إمهال عقله وقلبه للاستيعاب، لينم عن خفة ما بعدها خفة، وعن سعي حثيث للعودة إلى "الخربشة" من باب تصيُّد التصريحات وسوقها في غير سياقها.

وكان حريا بـ"توفيق بوعشرين" التريث قليلا، واللجوء للتمحيص والغوص بين ثنايا الكلام، ليفهم تفاصيله ومن ثمة، يدلي بدلوه، أما أن يغفل التفاصيل وهو يعرف بأن في التفاصيل يكمن الشيطان، تكون قد أغوته نفسه، الأمَّارة، ليحاول الانقضاض على وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، مثل ضار يتضور جوعا.

ولربما الباحث عن استيضاح الأمور واستبيانها، كان ليستأنس إلى ما قاله أحمد التوفيق، خلال اجتماع لجنة الخارجية بمجلس المستشارين، وهو يشير بالبنان إلى سوء الفهم الكبير الذي طال تصريحاته، وهو ما يفيد بأن قصده من كلامه مع الوزير الفرنسي، حُوّر ممن قصرت عقولهم على تفكيكه أو من تلقفوا تصريحاته ليتطاولوا ويفتوا فيما يجهلونه.

لقد أوضح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أنه قال لمخاطبه "عندنا لي عندكم، وما عندكمش لي عندنا"، وبأن الأمور التي تتعلق بالدين في المغرب هي شؤون خاصة بالأمة المغربية، قبل أن يردف مبينا للوزير الفرنسي أننا "نلتقي معكم في العقل"، وبأن النقاشات في البرلمان المغربي تعتمد على التفكير العقلاني في قضايا البلاد، لكن الأمور المتعلقة بالدين تظل شأنا خاصا بكل أمة.

فما المعيب في كل ما سبق؟ لا شيء. لكن "توفيق بوعشرين"، لم ينفك عن تنميق الكلام ووضعه في غير موضعه، وطفق محللا ومفتيا بشكل متعجل متحررا من كل عناية مفترضة فيمن يسوق رأيا أو يدلي بدلوه في بئر وهو لا يعلم أفيها ماء أم هي جافة خربة.

ولو أسعف "توفيق بوعشرين" عقله واستفتى قلبه، لركن إلى رجاحة ما قاله وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإلا لكان قد أقيم عليه حد الرجم حتى الموت، وهو محصن بعدما تورط في جرائم جنسية يشيب لها الولدان، وقد أخضع نسوة يمسك عليهن سلطته، تحت قدميه وأفرغ فيهن نزواته.

لقد امتشق "توفيق بوعشرين"، سيفه الهلامي ولوَّح به، يريد خوض نزال ليس نزاله، وسجله المشوب بممارسات شائنة، لا يشفع له في تقعيد معاكسة ما قصده أحمد التوفيق، الذي وإن تحدث عن العلمانية فهو لم يقصد حتما ما يراه البعض ويتجاوز بكثير ما يقف هؤلاء البعض عنده وهم يستسهلون العلمانية في "فصل الدين عن السلطة".

الأكيد أن "العلمانية" لا تعني إقصاء الدين عن الحياة، ومن يدعي ذلك إنما هو ضال ومضلل، ويريد أن يقنعنا بأن كل العلمانيين غير مؤمنين، ومن بينهم "توفيق بوعشرين"، الذي أغفل الاجتهادات الجديدة التي تماهت مع مفاهيم مستجدة تفاعلت مع العلمانية في علاقتها بالإسلام وليس في علاقتها الصدامية مع الدين المسيحي، كما هو مثبت بالنسبة للعلمانية الفرنسية التي توضَّعت لمجابهة الكنيسة التي كانت تغولت وانتصبت ضد الثورة الفرنسية.

ولربما مبادرة أحمد التوفيق للوزير الفرنسي، بالقول "عندنا لي عندكم، وما عندكمش لي عندنا"، تحيل ولا غرو على أن العلمانية حمالة أوجه ومفاهيمها متعددة، وهو أمر لا ينطبق على المغرب وفرنسا وحدهما فقط، بل يمتد الاختلاف حتى بين دول الغرب نفسها.

ويبدو أن "توفيق بوعشرين" بحاجة للتذكير بأن اللائكية الفرنسية غير العلمانية البريطانية، ففي الجزيرة الملكية التي يفصلها المانش عن الجمهورية لم تدخل الدولة المدنية في صراع مع الكنيسة، وهناك الملك يعد جوهرة تتموقع على فوق "تاج" الكنيسة، كما أن الدولة المدنية في العالم الجديد تحرص على حماية الدين في بلاد "العم سام" من كل عدوان أو تجني عليه.

وأيضا يلزم التذكير أنه في تركيا، سبق لـ"رجب طيب أردوغان"، أيقونة "توفيق بوعشرين"، سبق أن قال في مقابلة تلفزيونية إن "العلمانية تعني التسامح مع كافة المعتقدات من قبل الدولة، والدولة تقف من نفس المسافة تجاه كافة الأديان والمعتقدات".

إنها بعض من تجليات سوء الفهم الكبير الذي قد يطال تصريحات مع الإخفاق الجلي في استيعاب مقاصدها، لكن أن يفتي كل بما يراه، ويقتنص البعض الفرص ليدخل في سجال هو غير أهل لإثارته، مثلما حاول "توفيق بوعشرين"، لهو أمر يبعث على الأسف من الهرولة نحو العودة من باب السطحية.

آخر الأخبار