المجلس الأعلى للحسابات يقرع جرس الإنذار بشأن تبسيط المساطر الإدارية في المغرب

في خطوة تعكس أهمية الإصلاح الإداري، أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريراً صادماً يكشف عن تباطؤ خطير في تنفيذ القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية.
هذا القانون، الذي كان يُنتظر أن يحدث ثورة في علاقة المواطنين بالإدارة المغربية، لا يزال بعيداً عن تحقيق أهدافه بعد ثلاث سنوات ونصف من دخوله حيز التنفيذ.
أبرز ما أثار الانتباه في التقرير هو التأخر الكبير في إصدار النصوص التطبيقية التي تعتبر العمود الفقري لتفعيل القانون. فلم يتم حتى الآن إصدار النصوص المرتبطة بمؤشرات الأداء، وطرق تدبير البوابة الوطنية للمساطر، ولا لائحة الوثائق التي يمكن للإدارات الحصول عليها من مصادر أخرى دون تكليف المرتفق عناء تقديمها.
هذا العجز في التنسيق بين القطاعات الحكومية المختلفة أدى إلى تأخير واضح في إنجاز مشاريع الرقمنة وتوحيد الإجراءات.
على صعيد آخر، كشف التقرير أن نسبة تفويض الاختصاصات الإدارية المرتبطة بالاستثمار للمصالح اللاممركزة لم تتجاوز 38% بحلول أكتوبر 2024. ورغم مرور سنوات على اعتماد القانون، لم تُنشأ التمثيليات الإدارية المشتركة في الجهات، مما يُعقّد تنفيذ هذا الورش الإصلاحي على المستوى المحلي.
هذا التأخر يُضعف من قدرة الجهات على تقديم خدمات إدارية متكاملة تُحفّز الاستثمار وتُبسّط حياة المواطنين.
كما أن بعض الإدارات العمومية لازالت تواصل إجراءات توثيق وتدوين وملاءمة القرارات الإدارية المزمع نشرها، مما قد يؤدي إلى الاستمرار في فرض مساطر وإجراءات إدارية على المرتفقين تفتقد للحجية وغير مستوفية للشروط القانونية في هذا الصدد، بلغت نسبة تدوين القرارات الإدارية ما يناهز 85% في متم سنة 2023 على مستوى عينة القطاعات الوزارية موضوع المهمة الرقابية (22) قطاعا)، حيث قامت هذه الأخيرة بتدوين 864 قرارا وعرضه على اللجنة التقنية التابعة للجنة الوطنية لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية من أصل 1011 قرارا تم جرده ضمن مجال اختصاصاتها بينما يناهز معدل نشر هذه القرارات 70%.
وتعزى هذه الوضعية، حسب التقرير أساسا إلى الصعوبات المتعلقة بإعداد ونشر الأسس القانونية للوثائق والمستندات المؤطرة للقرارات الإدارية وضعف التنسيق بين المصالح الإدارية في ما يخص القرارات الأفقية التي تستدعي تدخل عدة جهات في معالجتها بالإضافة إلى قصور تتبع بعض القطاعات الحكومية لعملية تدوين ونشر القرارات الإدارية التي تدخل في مجال اختصاصها.
وفي هذا السياق، أبرز فحص الأسس القانونية للقرارات الإدارية المنشورة من طرف القطاعات الوزارية على مستوى البوابة الوطنية "إدارتي"، أن ما يزيد على 66% من القرارات المنشورة إلى غاية متم سنة 2023، تستلزم إعداد ونشر النصوص التنظيمية المؤطرة للمستندات والوثائق المطلوبة. كما لا يزال 284 مشروع قرار وزاري في طور الإعداد والمصادقة من أجل تسوية وضعية مصنفات القرارات الإدارية المنشورة.
التقرير لم يتوقف عند هذا الحد، بل كشف عن ضعف في احترام سقف معالجة الطلبات الذي حدده القانون في 60 يوماً.
حوالي 26% من الطلبات المقدمة من المرتفقين لم تُعالج ضمن هذا الإطار الزمني، وفق دراسة أجرتها وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.
فيما الأكثر إثارة للقلق أن 25% من القطاعات الحكومية تستمر في فرض وثائق غير مبررة أو طلب نسخ إضافية للمستندات، ما يتعارض مع القواعد القانونية.
في مجال الرقمنة، كان هناك تطلع كبير إلى الهوية الرقمية كأداة رئيسية لتوحيد الإجراءات وتسهيل التعامل بين المواطنين والإدارة.
ورغم إطلاق الخدمة في أبريل 2022 بالتعاون مع المديرية العامة للأمن الوطني، فإن استخدامها ما يزال محدوداً للغاية، حسب تقرير المجلس.
وحسب التقرير، فإنه يُنظر إلى تعميم الهوية الرقمية على أنه خطوة أساسية لتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال، خاصة مع التحديات المرتبطة بحماية المعطيات الشخصية.
إضافة إلى ذلك، فإن غياب منظومة وطنية واضحة لتكاليف المساطر الإدارية يشكل نقطة ضعف كبيرة.
وأشار التقرير إلى أن هذا الغياب يمنع من تقييم الكلفة الفعلية للمساطر الإدارية سواء على الإدارة أو المرتفق.
كما أن 66% من القرارات المنشورة تحتاج إلى نصوص تنظيمية إضافية لتصبح قابلة للتنفيذ، مما يزيد من تعقيد الوضع.
التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات دق ناقوس الخطر بشأن القدرة على تحقيق أهداف القانون في الأجل المحدد.
وتبدو الإدارات المغربية بحاجة إلى دينامية جديدة وإرادة قوية لتدارك التأخير الكبير وضمان حقوق المرتفقين في الحصول على خدمات إدارية سهلة ومبسطة.
ويبقى السؤال الذي يشغل الجميع: هل يمكن للإدارة المغربية أن تنتقل من حالة الجمود إلى تسريع وتيرة الإصلاح قبل فوات الأوان؟