تأثير انخفاض أسعار النفط على المغرب.. ملف المحروقات يشعل الجدل من جديد

الكاتب : انس شريد

26 ديسمبر 2024 - 08:30
الخط :

لا زالت الأسر المغربية تعيش تحت وطأة ضغط متزايد نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار المحروقات، التي تجاوزت 13 درهمًا للتر في محطات الوقود.

هذا الارتفاع لم يعد مجرد رقم يتغير على شاشات المضخات، بل أصبح عبئًا يوميًا يثقل كاهل المواطنين ويؤثر على القدرة الشرائية بشكل مباشر.

ومع استمرار هذا الوضع، يتصاعد الجدل حول أسباب هذه الزيادات ومدى انعكاسها على الاقتصاد المحلي.

في ظل هذا الجدل، أقرت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، بأن أسعار المحروقات في السوق المحلية لم تشهد انخفاضًا موازيًا للانخفاض العالمي منذ بداية العام 2024، مما أثار استياء المواطنين الذين يعانون من تزايد تكاليف المعيشة.

في ردها على سؤال كتابي للنائب البرلماني إدريس السنتيسي، أوضحت الوزيرة أن أسعار الغازوال في السوق المغربية انخفضت بنسبة 13% بين يناير وشتنبر 2024، أي ما يعادل انخفاضًا بـ1.70 درهم للتر.

في المقابل، شهدت الأسعار العالمية انخفاضًا بنسبة 15%، حيث تراجع متوسط سعر الطن من الغازوال عالميًا من 782 دولارًا في يناير إلى 667 دولارًا في شتنبر من نفس السنة.

بالنسبة للبنزين الممتاز، حسب جواب الوزيرة، فقد انخفضت أسعاره المحلية بنسبة 7% خلال الفترة نفسها، بما يعادل 98 سنتيمًا للتر، مقارنة بانخفاض عالمي بنسبة 9%.

ومع ذلك، أشارت الوزيرة إلى أن الأسعار الدولية شهدت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوعين الأولين من أكتوبر، نتيجة التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، ما دفع متوسط سعر البرميل من "برنت" إلى 78 دولارًا بعدما تراوح بين 72 و74 دولارًا في شتنبر الماضي.

لكن خلف هذه الأرقام، يبرز مشهد أكثر تعقيدًا، كشف عنه تقرير حديث صادر عن المجلس الأعلى للحسابات.

ويعاني المغرب من تأخر واضح في قطاع المحروقات والتنقيب عن الغاز الطبيعي، وفقًا لتقرير حديث صادر عن المجلس الأعلى للحسابات.

وسلط التقرير الضوء على ضعف كثافة عمليات التنقيب مقارنة بالمعايير العالمية، حيث أشار إلى أن المغرب لا يزال بعيدًا عن تحقيق اكتشافات كبرى تعزز من استقلاله الطاقي، مما يفاقم تبعيته للأسواق العالمية وتذبذب أسعار الطاقة.

بحسب التقرير، فإن كثافة الآبار المنجزة في المغرب لا تتجاوز 4 آبار لكل 10,000 كيلومتر مربع، وهو رقم هزيل مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 1,000 بئر لكل 10,000 كيلومتر مربع. في الجوار الإقليمي، تبدو الفجوة واضحة مع دول مثل موريتانيا والسنغال، التي شهدت قفزات نوعية في التنقيب البحري.

ورغم الاستراتيجية الطاقية الوطنية التي أُطلقت قبل أكثر من عقد، حسب التقرير، فإن عدد الآبار التي تم حفرها حتى نهاية عام 2023 بلغ 374 بئرًا فقط، مع معدل استثماري سنوي في مجال التنقيب لم يتجاوز 1.78 مليار درهم خلال الفترة من 2009 إلى 2022.

ووفقا للمصدر ذاته، فإن الاكتشافات الغازية التي أحرزها المغرب حتى الآن تظل محدودة لكنها تحمل بعض الآمال، خصوصًا في منطقتي تندرارة وطنجة-العرائش، حيث تُقدر الموارد المكتشفة فيهما بنحو 10 و18 مليار متر مكعب على التوالي.

وأكد التقرير، أن استغلال هذه الموارد يتطلب استثمارات ضخمة تصل إلى 14.7 مليار درهم، وهو ما قد يعزز إنتاج الغاز الطبيعي من 100 مليون متر مكعب سنويًا حاليًا إلى 900 مليون متر مكعب، مما يخفف من عبء التبعية الطاقية ولو بشكل نسبي.

من جانب آخر، يعاني المغرب من ضعف في المخزون الاستراتيجي للمواد البترولية، وهو ما يضع الاقتصاد الوطني في مواجهة مباشرة مع تقلبات السوق العالمية.

وأشار التقرير إلى أن مخزون الغازوال يغطي 32 يومًا فقط، والبنزين 37 يومًا، وغاز البوتان 31 يومًا، في حين أن الحد الأدنى القانوني يحدد هذه المدة في 60 يومًا.

هذه الأرقام تعكس ضرورة تطوير آليات مراقبة وإدارة المخزون الاحتياطي لضمان استقرار الأسعار وتفادي تأثيرات الأزمات الدولية.

إلى جانب المحروقات، أبرز التقرير أيضًا التحديات المرتبطة ببلوغ أهداف النجاعة الطاقية.

فبينما تستهدف الاستراتيجية الوطنية تحقيق اقتصاد بنسبة 20% من استهلاك الطاقة بحلول 2030، فإن التقدم المسجل حتى الآن لم يتعدّ 5%.

في هذا الصدد، دعا المجلس إلى تسريع وتيرة تنزيل استراتيجيات النجاعة الطاقية، إلى جانب وضع إطار قانوني وتحفيزي لجذب الاستثمارات وتشجيع استخدام الطاقات المتجددة.

وشدد التقرير كذلك على أهمية تحسين الحكامة في القطاع الطاقي وتسريع تنفيذ الإجراءات المرتبطة بتطوير سوق الغاز الطبيعي ووضع إطار قانوني شامل له، بما يضمن جذب المستثمرين وإرساء بيئة تنافسية وشفافة.

آخر الأخبار