إلزامية التأمينات.. هل تضع حدا لنزيف الأرواح في أوراش البناء؟

الكاتب : انس شريد

19 يناير 2025 - 10:30
الخط :

في ظل تنامي مشاريع البناء والتشييد في مختلف مناطق المغرب، أصبح خطر أوراش البناء على العمال حديث الساعة، حيث يتم تسجيل حوادث مميتة وإصابات جسيمة، بين الفينة والأخرى، نتيجة غياب وسائل السلامة الأساسية.

هذه الأوراش، التي يفترض أن تكون مصدر رزق وحياة كريمة للعمال، تتحول في كثير من الأحيان إلى مصائد خطيرة تضع حياتهم على المحك، بفعل الإهمال وضعف الرقابة وتجاهل الالتزام بمعايير السلامة المهنية.

ولقي عامل بناء حتفه يوم الجمعة الماضي في حادث مأساوي داخل ورش بناء أساس عمارة بمنطقة الرحمة، ضواحي الدار البيضاء، حيث سقط في حفرة الأساس وتفاجأ بانهيار كتل الأتربة التي غمرته تمامًا، ليلقى حتفه على الفور.

وأعادت الحادثة التي هزت سكان المنطقة إلى الواجهة النقاش حول خطورة غياب وسائل السلامة في أوراش البناء، وحجم الإهمال الذي يعاني منه عمال القطاع، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لغياب أبسط معايير الحماية في أماكن العمل.

وسارعت فرق الوقاية المدنية سارعت إلى عين المكان لانتشال جثة العامل، وتم نقلها إلى مستودع الأموات لإجراء التشريح الطبي، فيما فتحت السلطات تحقيقًا لمعرفة ملابسات الحادث.

ويعد غياب وسائل السلامة في أوراش البناء، أحد أبرز أسباب الحوادث المميتة، وهو ما يؤكده ارتفاع معدلات الإصابات والوفيات في هذا القطاع.

في كثير من الحالات، يفتقر العمال إلى أبسط وسائل الحماية كخوذات الرأس وأحزمة الأمان، بالإضافة إلى غياب المراقبة الصارمة على تنفيذ إجراءات السلامة.

وفي المقابل، أعلنت كل من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS) والجامعة المغربية للتأمين (FMA) عن دخول إجبارية تأمينات "مخاطر الورش" و"المسؤولية المدنية العشرية" حيز التنفيذ.

ويبدأ تاريخ سريان هذا التأمين مباشرة بعد تسلم الأشغال ويظل ساريا لمدة عشر سنوات. وتغطي هذه الضمانة الأضرار التي تؤثر على متانة البناء، مثل الانهيارات الناتجة عن عيوب في البناء، أو استخدام مواد غير صالحة، أو مشكلات تتعلق بالتربة.

وتجدر الإشارة إلى أن إجبارية اكتتاب تأمينات "مخاطر الورش" و"المسؤولية المدنية العشرية" تهم المباني ذات الاستخدام الصناعي، التجاري، الفندقي، الرياضي وكذا المباني المخصصة للإيواء، بالإضافة إلى المباني السكنية التي تزيد عن ثلاثة طوابق أو التي تتجاوز مساحتها 800 متر مربع.

كما أصبح الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة رهينا بتقديم شهادة تأمين المسؤولية المدنية العشرية.

وأفادت هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي في بلاغ لها، بأن تأمينات "مخاطر الورش" و"المسؤولية المدنية العشرية" أصبحت إجبارية بعد نشر قرارين وزاريين في الجريدة الرسمية، موضحة أن الأول يتعلق بالتأمينات المرتبطة بالبناء، بينما يحدد الثاني الشروط العامة النموذجية المطبقة على عقود التأمين الإجبارية الخاصة بتأمينات "مخاطر الورش" و"المسؤولية المدنية العشرية".

وفي المقابل، لا تزال قضية ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية تؤرق الرأي العام في المغرب، حيث يعيش هؤلاء المتضررون أوضاعًا صعبة نتيجة التأخر الكبير في الإفراج عن مراسيم الزيادة في الإيراد، والتي من شأنها تحسين وضعيتهم المعيشية.

هذا التأخير، الذي استمر لسنوات، أصبح عنوانًا بارزًا لمعاناة شريحة واسعة من العمال، الذين وجدوا أنفسهم عالقين بين المرض والفقر، دون وجود دعم كافٍ يخفف من وطأة أزماتهم اليومية.

ويؤكد الضحايا أن الإحصاءات المعتمدة لتحديد نسبة العجز الناجم عن حوادث الشغل غالبًا ما تكون غير منصفة، حيث لا تعكس حجم الأضرار والإصابات التي تلحق بهم أثناء تأدية عملهم.

كما يلفتون الانتباه إلى غياب وسائل السلامة الصحية في العديد من الشركات، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل الحوادث المهنية وانتشار الأمراض المزمنة بين صفوفهم.

من جهة أخرى، يواجه العمال المصابون نقصًا كبيرًا في الرعاية الطبية الضرورية التي من المفترض أن توفرها مؤسساتهم، ما يزيد من تعقيد حالتهم الصحية ويعمق إحساسهم بالإهمال.

وفي ظل هذه الأوضاع، شهد البرلمان المغربي جدلًا كبيرًا حول مشروع القانون رقم 18-12 المتعلق بحوادث الشغل، والذي ظل عالقًا في دواليب المؤسسة التشريعية منذ تقديمه في 9 يناير 2024.

ووجه عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، انتقادات حادة للحكومة، متهمًا إياها بالتلكؤ المتعمد في مناقشة القانون والمصادقة عليه، وطرح تساؤلات حول الأطراف المستفيدة من هذا التأخير، ملمحًا إلى احتمال وجود ضغوط من شركات التأمين.

وشهدت الجلسة العمومية الأخيرة بمجلس النواب نقاشًا حادًا حول هذا الموضوع، حيث أبدت المعارضة غضبها من الجمود التشريعي الذي يعرقل إصدار هذا القانون الذي يتضمن مادتين فقط، فيما تواصل الضحايا تنظيم وقفات احتجاجية أمام البرلمان للتعبير عن استيائهم.

ودعت المعارضة، مرارا إلى مراجعة آليات احتساب التعويضات الممنوحة للضحايا، مشددة على أن المبالغ الحالية هزيلة ولا تتناسب مع متطلبات الحياة الأساسية.

كما طالبت الحكومة بإصلاح جذري يضمن العدالة الاجتماعية ويوفر حماية حقيقية للعمال المصابين، من خلال إقرار مراسيم جديدة تعزز من قدرتهم على مواجهة التحديات اليومية.

وبينما يواصل الضحايا رفع أصواتهم والمطالبة بحقوقهم، تظل الكرة في ملعب الحكومة التي يتوجب عليها التحرك سريعًا لإنهاء هذا الملف الإنساني والاجتماعي الحساس.

آخر الأخبار