العدوي: حسن اختيار المسؤولين هو المفتاح الحقيقي لمحاربة الفساد

الكاتب : انس شريد

09 فبراير 2025 - 07:30
الخط :

تعيش أروقة المجلس الأعلى للحسابات على وقع قلق متزايد بسبب تنامي ملفات الفساد التي تكشف عن اختلالات عميقة في تدبير المال العام وحماية الملك العمومي.

في مشهد مؤثر، أبدت زينب العدوي، الرئيسة الأولى للمجلس، تأثراً بالغاً خلال لقاء تواصلي جمع المجلس العلمي الأعلى بخبراء في التنمية، حيث غالبت دموعها وهي تتحدث عن حجم التجاوزات التي رصدها المجلس، من تزوير الفواتير والغش في المشاريع العمومية إلى سرقة الموارد الطبيعية والاعتداء على الملك البيئي.

بكلمات قوية وإحساس عميق بالمسؤولية، وصفت العدوي هذه الممارسات بكونها "مشينة" و"غير مقبولة عقلاً ولا شرعاً"، مستشهدة بآيات قرآنية تدعو إلى الأمانة وتحذر من خيانة المال العام.

واستحضرت المسؤولة أمثلة واقعية عاشتها شخصياً، من بينها واقعة مشروع تزيين شارع بالورود عندما كانت والية على جهة الغرب.

المشروع الذي كلف خزينة الدولة ميزانية، معتبرة، لم يمر وقت طويل حتى ظهرت عليه علامات التخريب، ليس من عوامل الطبيعة، بل من مواطنين قاموا بقطف الورود لأغراض شخصية.

ومن بين أغرب الوقائع التي روتها العدوي، قصة سيدة كانت تأتي ليلاً بسيارتها، تتوقف، تفتح صندوق الأمتعة، وتقطف الورود بعناية لتنقلها إلى حديقة منزلها.

بدل معاقبتها، وجّهتها العدوي نحو المكان الذي تشتري منه الجماعة تلك الورود، في إشارة إلى أن الحلول أحياناً لا تكون بالعقاب فقط، بل بالتوعية وإعادة التوجيه.

العدوي، التي راكمت تجربة طويلة في الإدارة الترابية، انتقلت للحديث عن تأثير الفساد المالي على الاقتصاد الوطني، مؤكدة أن هذه الظاهرة لا تمس فقط نزاهة التدبير العمومي، بل تضعف أيضاً مناخ الاستثمار، وتساهم في تدهور الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين.

كلما تراجع "وازع الإيمان"، تقول العدوي، كانت الحاجة أكبر إلى "وازع السلطان"، في إشارة إلى ضرورة تفعيل آليات الرقابة الصارمة للحد من هذه التجاوزات.

ورغم تأكيدها أن الفساد ليس ظاهرة خاصة بالمغرب، فقد انتقدت العدوي بعض التقارير الدولية التي وصفتها بأنها تقدم صورة غير موضوعية عن الوضع، معتبرة أن معايير التقييم يجب أن تراعي السياقات الثقافية والحضارية لكل دولة.

لكنها لم تنفِ في الوقت ذاته أن هناك أطرافاً داخلية تستغل تقارير المحاسبة لغايات سياسية وانتخابية، في محاولة لتصفية حسابات أو توجيه الرأي العام ضد خصومها.

الفساد في هذه الحالة لم يكن فقط سرقة أموال المشاريع، بل تعدّى ذلك إلى سلوكيات المواطنين أنفسهم، حيث رصدت العدوي حالات تخريب لقنوات الماء الصالح للشرب بهدف استغلال المياه بطرق غير قانونية، بل وحتى قنوات الصرف الصحي تم التلاعب بها لزراعة الخضروات بجوارها.

وختمت العدوي كلمتها بتأكيدها أن مفتاح محاربة الفساد يكمن في حسن اختيار المسؤولين عن تدبير الشأن العام، سواء عن طريق التعيين أو الانتخابات.

وبين الدعوة لتفعيل الوازع الأخلاقي والديني، والحاجة إلى تشديد الرقابة والمحاسبة، يبدو أن معركة المجلس ضد الفساد لا تزال طويلة ومعقدة، في ظل تحديات تتجاوز حدود النصوص القانونية إلى عمق السلوكيات الفردية والشبكات المصالحية التي تستفيد من غياب الشفافية والمساءلة.

آخر الأخبار