رمضان يُهذب النفوس ويُقلص الجريمة.. أرقام رسمية تدحض المعتقدات الشعبية

مع اقتراب شهر رمضان الفضيل، تتجدد النقاشات حول ظاهرة "الترمضينة" التي تثير الكثير من الجدل في الأوساط الاجتماعية، وكأنها شبح يطل برأسه مع كل غروب شمس واقتراب موعد الإفطار.
هذه الظاهرة التي طالما ارتبطت في المخيال الشعبي بسلوكيات متوترة وتصرفات عصبية خارجة عن المألوف، تطرح تساؤلات حقيقية حول أسبابها ودوافعها، خاصة أنها تتعارض تمامًا مع روحانية الشهر الكريم التي تدعو إلى السكينة وضبط النفس.
في مشاهد تتكرر كل عام، تحدث بين الحين والآخر مشاحنات ومشاجرات في الشوارع والأسواق، وكأن لحظات ما قبل الإفطار تتحول إلى حلبة تصفية حسابات عصبية.
في لقاء تواصلي جمع بين المجلس العلمي الأعلى وخبراء في التنمية، فند بوبكر سبيك، المراقب العام للشرطة والناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الصورة النمطية السائدة حول ارتفاع معدلات الجريمة خلال شهر رمضان، مؤكدا أن المؤشرات الأمنية تكشف عن تراجع ملحوظ في مختلف الجرائم خلال هذا الشهر، باستثناء بعض الظواهر المحدودة مثل استهلاك الشيشة وترويج المخدرات.
وجاءت هذه الكلمة خلال ندوة نُظمت صباح اليوم الأحد بمقر المجلس العلمي الأعلى في الرباط، حيث استعرض سبيك بالأرقام التحولات التي تعرفها الجريمة خلال الشهر الفضيل، مسلطًا الضوء على العوامل التي تساهم في هذا الانخفاض.
استهل سبيك مداخلته بتقديم معطيات إحصائية دقيقة حول معدلات الجريمة خلال شهر رمضان الماضي، الذي امتد بين 12 مارس و9 أبريل 2024، مشيرًا إلى أن المصالح الأمنية سجلت خلال هذه الفترة 46,434 قضية زجرية، وهو معدل منخفض مقارنة بباقي شهور السنة.
وأوضح أن هذا التراجع لم يكن مقتصرًا على نوع معين من الجرائم، بل شمل مختلف الأفعال الإجرامية، حيث انخفضت جرائم القتل العمد بنسبة 50%، وتراجعت حالات الاغتصاب بـ31%، بينما انخفضت جرائم السرقة بالنشل والخطف بـ37%.
ورغم هذا التراجع، فقد شهد شهر رمضان ارتفاعًا في بعض الظواهر السلبية، حسب المتحدث ذاته، حيث ارتفع استهلاك الشيشة والتسول الاعتيادي، كما زادت معدلات ترويج المخدرات بنسبة 17%.
ولتأكيد هذا الاتجاه، أجرى سبيك مقارنة أخرى بين رمضان وشهر مايو الموالي، حيث أوضحت الأرقام أن معدل الجريمة خلال رمضان كان أقل بنسبة 32% مقارنة بما بعده، وهو ما يؤكد أن الجريمة تتراجع خلال الشهر الفضيل، خلافًا لما يروج له في المخيال الشعبي تحت مسمى "الترمضينة".
وأكد أن التراجع شمل أيضًا الجرائم العنيفة، حيث انخفضت السرقات المقرونة بالعنف بنسبة 42%، وتراجعت جرائم القتل العمد بـ44%، بينما انخفضت جرائم الاغتصاب بـ38%.
وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة، طرح سبيك فرضية مفادها أن البعض قد يعزو تراجع الجريمة في رمضان إلى توقف بيع المشروبات الكحولية، لكنه أكد أن هذا العامل لا يمكن أن يكون التفسير الوحيد، نظرًا لأن الكحول تؤثر بشكل أساسي على حوادث السير وبعض الاعتداءات الجسدية، لكنها ليست مسؤولة عن جميع الجرائم.
كما أوضح أن هناك عاملين رئيسيين يفسران انخفاض معدلات الجريمة خلال هذا الشهر، أولهما أمني مرتبط بالإجراءات التي تتخذها السلطات الأمنية لتعزيز المراقبة، والثاني روحاني ناتج عن تأثير الأجواء الدينية، حيث ينصرف الناس إلى العبادات وتزداد مجالس الوعظ والإرشاد، مما ينعكس إيجابيًا على سلوك الأفراد.
وفي سياق متصل، كشف الناطق باسم المديرية العامة للأمن الوطني أن الجريمة في محيط أماكن العبادة تكاد تكون منعدمة، حيث عالجت مصالح الأمن خلال عام 2024 ما مجموعه 160 قضية فقط، توزعت بين 3 قضايا في مؤسسات التعليم العتيق، و10 قضايا في الأضرحة والزوايا، و144 قضية في محيط المساجد، مقابل 3 قضايا في أماكن عبادة النصارى، فيما لم تُسجل أي قضية في أماكن عبادة اليهود.
وأوضح أن أغلب هذه القضايا تتعلق بالتسول أو العنف اللفظي والجسدي، بينما تكاد الجرائم الخطيرة تكون غائبة، باستثناء بعض الحالات التي تورط فيها مختلون عقليًا.