دفتر التحملات على طاولة التدقيق.. الدار البيضاء تقترب من إنهاء فوضى ركن السيارات

في خطوة جريئة تهدف إلى إنهاء الفوضى التي طالما أرّقت سكان العاصمة الاقتصادية، شرع أعضاء مجلس جماعة الدار البيضاء في التحقيق في اختلالات قطاع ركن السيارات، وهو قطاع لطالما عانى من مظاهر الريع والعشوائية.
الاجتماع الذي عُقد اليوم الثلاثاء وجمع رؤساء الفرق الحزبية بالمجلس لم يكن مجرد لقاء عابر، بل كان بمثابة إعلان واضح عن بداية مرحلة جديدة من المحاسبة والتنظيم في هذا القطاع الحساس.
هذا التحرك لم يأتِ من فراغ، بل جاء استجابة لموجة من الغضب الشعبي والاستياء المتصاعد من الممارسات غير القانونية التي أصبحت مشهداً مألوفاً في شوارع المدينة.
ووفقا لمصادر الجريدة 24، فإن الأحزاب الممثلة في الأغلبية والمعارضة ناقشت بجدية مشروع دفتر التحملات المتعلق بالترخيص لاستغلال الملك العمومي العام لركن السيارات، حيث تم الاتفاق على ضرورة المصادقة عليه خلال الجلسة الثانية للدورة العادية لشهر فبراير، المرتقب انعقادها في الأيام القليلة المقبلة.
كما تمت مناقشة مسألة المصادقة على اتفاقية شراكة مع شركة التنمية المحلية "الدار البيضاء للبيئة"، التي كان من المقرر أن تتولى تدبير مرفق وقوف وركن العربات والدراجات.
هذا الدفتر الجديد يُنتظر أن يكون أداة فعالة في ضبط القطاع ووضع حد للتجاوزات، خاصة فيما يتعلق بالتحكم العشوائي في مواقف السيارات من قبل أشخاص وجماعات لا تربطهم أي علاقة قانونية بإدارة هذا المرفق الحيوي.
جماعة الدار البيضاء أعلنت بوضوح نيتها شنّ حرب مفتوحة ضد مظاهر الريع التي تنخر قطاع ركن السيارات، مؤكدة سعيها لتعميم العدادات الإلكترونية في مختلف شوارع وأحياء المدينة.
الهدف من هذه الخطوة ليس فقط ضبط وتنظيم عمليات ركن السيارات، بل أيضاً القضاء على سطوة ما يُعرف بـ"الحراس العشوائيين" الذين حوّلوا الشوارع العامة إلى ملكيات خاصة، يفرضون فيها رسومًا غير قانونية على المواطنين دون أي رادع قانوني.
هذه الفوضى لم تقتصر على خلق متاعب يومية للسائقين، بل أصبحت رمزاً لغياب الحكامة الجيدة في تدبير الملك العمومي.
وكانت تصريحات نائب عمدة الدار البيضاء، الحسين نصر الله، خلال الدورة العادية الأخيرة للمجلس، صريحة وصادمة في الآن ذاته.
فقد وصف الوضع السائد بقطاع ركن السيارات بأنه يعاني من "الريع"، كاشفاً عن معطيات مثيرة أبرزها أن 40 عائلة فقط تسيطر على 160 رخصة لركن السيارات، إضافة إلى وجود شركات وأشخاص يتحكمون في عدة تراخيص بطريقة غير قانونية.
هذا الاحتكار الفاضح يُبرز حجم الخلل الذي ينخر القطاع ويؤكد الحاجة الملحّة لإصلاحات جذرية تضمن الشفافية وتكافؤ الفرص.
ومع أن هذا القرار لاقى ترحيباً من فئات واسعة من السكان الذين عانوا طويلاً من تجاوزات الحراس العشوائيين، إلا أن ردود الفعل لم تخلُ من الجدل.
فقد عبّر العديد من حراس السيارات عن استيائهم الشديد، معتبرين أن هذه الإجراءات تهدد مصدر رزقهم الوحيد وتعرض مستقبلهم ومستقبل أسرهم للخطر.
هؤلاء الحراس يرون أنفسهم ضحايا لغياب سياسات واضحة تنظم عملهم وتوفر لهم حماية قانونية واجتماعية، مطالبين الجهات المسؤولة بإيجاد حلول متوازنة تراعي حقوقهم وتضمن استقرارهم الاقتصادي.
التحقيقات التي باشرتها اللجنة لا تقتصر فقط على الجوانب الإدارية والتنظيمية، بل تشمل أيضاً البحث في مدى تورط جهات معينة في تسهيل استغلال هذا القطاع بشكل غير قانوني.
هذا المسار يُنتظر أن يكشف عن خبايا كثيرة كانت مخفية لسنوات، ويُعيد رسم خريطة تدبير الملك العمومي في الدار البيضاء بطريقة أكثر شفافية وإنصافاً.