شركات المحروقات في قفص الاتهام.. مجلس المنافسة يكشف المستور

لا تزال أسعار المحروقات في المغرب تثير الجدل، حيث حافظت على مستويات مرتفعة رغم التراجع الملحوظ في أسعار النفط عالميًا.
هذا الوضع أدى إلى موجة من الانتقادات للحكومة من قبل السياسيين والنقابيين الذين اعتبروا أن الغلاء أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين، محملين المسؤولية لحكومتي بنكيران وأخنوش بسبب قرارات تحرير سوق المحروقات.
وتزايدت الضغوط على الحكومة لإلغاء مرسوم تحرير الأسعار وإعادة فرض الرقابة الحكومية على القطاع، إلى جانب الرفع من الضرائب على شركات المحروقات التي حققت أرباحًا ضخمة خلال السنوات الأخيرة.
وأكد رئيس مجلس المنافسة، أحمد رحو، أن المجلس لم يتساهل مع شركات المحروقات بخصوص الغرامة التصالحية التي فرضها سابقًا، والتي بلغت 1.8 مليار درهم، مشددًا على ضرورة عدم تدمير الشركات أو تعطيل نشاطها بسبب العقوبات.
وأوضح خلال اللقاء السنوي لمجلس المنافسة في الرباط أن 40% من سعر لتر البنزين أو الوقود تذهب إلى خزينة الدولة على شكل ضرائب، بينما تمثل الـ60% المتبقية رقم معاملات الشركات.
وأشار إلى أن العقوبة المقررة تمثل 3 إلى 4% فقط من رقم معاملات هذه الشركات، في حين تتراوح أرباحها السنوية بين 50 إلى 60% من إجمالي الأرباح.
رحو شدد على أن المجلس يراعي عند فرض العقوبات مبدأ عدم إفناء الشركات أو تعطيل قدرتها على الاستمرار في العمل، موضحًا أن "تدمير شركة بالكامل يضر بالموظفين أكثر من المسؤولين".
وأبرز رئيس مجلس المنافسة أن بعض الشركات أظهرت نتائج سلبية لعام 2023، وأن الغرامة المفروضة تمثل تحديًا كبيرًا لها، حيث قد تؤدي إلى استنزاف أرباحها بالكامل.
لذلك، يرى المجلس أن الغرامات يجب أن تكون موجهة بشكل يعزز من قدرة الشركات على التحسين والتطوير وليس على تدمير استثماراتها.
وشدد على أنه في حال تكرار الشركات لنفس الخطأ، قد تتضاعف العقوبة إلى أربعة أضعاف المبلغ الأصلي، لأن المبلغ المدفوع في المسار التصالحي لا يتجاوز نصف الغرامة في المسار التنازعي.
وأوضح رحو أن المسار التصالحي يسمح للشركات بدفع الغرامة مباشرة للدولة وإغلاق الملف دون متابعة قضائية، وهو ما يمثل تسهيلاً لها.
كما أشار إلى أن العقوبة التصالحية التي فرضها المجلس قوية مقارنة بتلك المطبقة في دول أخرى، حيث أكد أن مؤسسات دولية رأت أن الغرامة التي فرضها المغرب تعتبر مرتفعة بالنظر إلى أرباح الشركات.
كما شدد على أن الهدف من العقوبات ليس إعدام الشركات، بل دفعها لإعادة التفكير في ممارساتها، خاصة أن تكرار الخطأ يمكن أن يرفع العقوبة بشكل كبير.
ولفت رئيس مجلس المنافسة إلى أن المجلس يراقب تطبيق تقلبات الأسعار الدولية على السوق المغربي، حيث لاحظ أن الزيادات تُطبَّق بسرعة بينما تستغرق الانخفاضات وقتًا أطول.
وأكد أن المجلس يتابع الأمر ولم يلاحظ خللًا واضحًا في السوق، موضحًا أن تطبيق التغيرات يتم بطريقة متشابهة بين الشركات، رغم بعض الاختلافات في الكميات التي تشملها هذه التعديلات.
وفيما يتعلق بتشابه أسعار المحروقات في محطات الوقود داخل المدن، أكد رحو أن ذلك يعود إلى الشفافية التي يفرضها القانون، حيث تلزم محطات الوقود بإظهار الأسعار بشكل واضح، مما يجعل الفروقات السعرية ضئيلة.
واعتبر أن هذا لا يعني بالضرورة وجود تواطؤ بين الشركات، بل هو نتيجة طبيعية لمنافسة مفتوحة في إطار من الشفافية.
في ظل هذه المستجدات، تبقى قضية المحروقات في المغرب مثار جدل مستمر، وسط مطالبات بتدخل حكومي أقوى لضبط الأسعار، بينما تسعى السلطات لضمان توازن بين معاقبة التجاوزات وحماية استقرار الشركات.