تحقيقات تفتيش الشغل تُفجر أزمة جديدة.. هل تفلح الحكومة في كبح التجاوزات؟

الكاتب : انس شريد

27 فبراير 2025 - 10:30
الخط :

تواصل الحكومة الحالية مساعيها لإصلاح قطاع التشغيل، وسط انتقادات متزايدة من طرف المعارضة التي ترى أن الجهود المبذولة لا تزال غير كافية لمعالجة الاختلالات العميقة في سوق العمل.

فرغم الخطابات الرسمية التي تؤكد على الالتزام بتحسين ظروف العمال وتعزيز الضمانات القانونية، إلا أن الواقع يكشف عن تحديات مستمرة، تتجلى في انتهاكات شروط العمل داخل العديد من الوحدات الإنتاجية.

في سؤال كتابي موجه من الفريق الحركي إلى وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، تم التطرق إلى وضعية سوق الشغل ومدى احترام معايير العمل اللائق.

وردًا على هذا السؤال، كشف الوزير عن أرقام مقلقة بخصوص عمليات التفتيش الميداني، حيث تم تسجيل أكثر من 254 ألف ملاحظة تتعلق بمخالفات تمس حقوق العمال. هذه الأرقام جاءت بعد أكثر من 29 ألف زيارة تفتيشية، شملت قطاعات مختلفة، من بينها معامل صناعة الأسماك، التي تعاني من تجاوزات جسيمة على مستوى احترام شروط العمل.

الملاحظات المسجلة توزعت على عدة محاور أساسية، كان أبرزها الأجور، حيث تم تسجيل 61 ألف ملاحظة، من بينها قرابة 7 آلاف تتعلق بعدم احترام الحد الأدنى القانوني للأجر. أما في ما يخص الصحة والسلامة المهنية، فقد تم رصد أكثر من 4 آلاف ملاحظة، وهو رقم يعكس استمرار المخاطر التي تهدد العمال في بيئات العمل غير المؤهلة.

كما لم يكن ملف الحماية الاجتماعية بمنأى عن هذه التجاوزات، حيث تم تسجيل 13 ألف ملاحظة تتعلق بعدم احترام قوانين الضمان الاجتماعي والتأمين الإجباري عن المرض والتأمين ضد حوادث الشغل.

هذه التجاوزات دفعت فرق التفتيش إلى تحرير 158 محضرًا بالمخالفات والجنح، في خطوة تعكس حجم الإشكالات التي تعاني منها سوق الشغل.

ورغم هذه المعطيات، تؤكد الحكومة أنها تبذل جهودًا حثيثة لضمان العمل اللائق وفق المعايير الدولية، مشيرة إلى التزامها بمراقبة المناخ الاجتماعي داخل الوحدات الإنتاجية، والعمل على تحسين التشريعات المنظمة لهذا المجال.

إلا أن هذه التصريحات لم تمنع المعارضة من توجيه انتقادات لاذعة للأداء الحكومي، معتبرة أن الإصلاحات التي يتم الحديث عنها تظل بعيدة عن معالجة الإشكالات الحقيقية التي تواجه العمال، خاصة فيما يتعلق بتعزيز حقوقهم القانونية وتأمين بيئة عمل تحترم كرامتهم.

إصلاح مدونة الشغل يظل أحد الملفات التي تثير جدلًا واسعًا، حيث أكد السكوري، في جواب كتابي آخر على سؤال برلماني للفريق الحركي، أن أي تعديل يجب أن يتم بتوافق مع الشركاء الاجتماعيين، وفق ما تم الاتفاق عليه في الحوارات الاجتماعية السابقة. في المقابل، تعتبر المعارضة أن هذه الوعود تبقى غير ملموسة على أرض الواقع، إذ لا تزال أوضاع العمال في العديد من القطاعات بعيدة عن المعايير الدولية، مما يجعل الحاجة إلى إصلاحات جذرية أمرًا ملحًا.

إلى جانب الجوانب القانونية والحقوقية، يطرح ملف الصحة والسلامة المهنية نفسه بقوة في هذا النقاش، خاصة في ظل تزايد الحوادث المهنية والأمراض المرتبطة بالعمل.

وقد أكدت الحكومة أنها بصدد تنفيذ برنامج وطني للصحة والسلامة المهنية، يهدف إلى تقليل المخاطر المهنية وتحسين ظروف العمل، إلا أن فعالية هذا البرنامج ستظل رهن التطبيق الفعلي على أرض الواقع.

من جهة أخرى، بدأ النقاش يتسع ليشمل الصحة النفسية للعاملين، وهو موضوع أصبح يكتسب أهمية متزايدة في سوق العمل الحديثة. فقد أكد السكوري، في معرض رده على سؤال كتابي ثالث، أن مدونة الشغل خصصت حيزًا مهمًا لهذا الجانب، من خلال مقتضيات تضمن الأمن المعنوي والرعاية النفسية للعمال، وتشدد على منع جميع أشكال التحرش والعنف داخل أماكن العمل.

لكن المعارضة ترى أن هذه التدابير، رغم أهميتها، تظل غير كافية ما لم يتم تفعيلها بآليات مراقبة صارمة وإجراءات زجرية فعالة.

أمام كل هذه التحديات، يبقى السؤال المطروح: هل تستطيع الحكومة فعليًا تحقيق توازن بين تحسين ظروف العمل وتعزيز تنافسية المقاولات، أم أن الجدل حول إصلاح سوق الشغل سيستمر في ظل تضارب المصالح بين مختلف الأطراف الفاعلة؟ الإجابة عن هذا السؤال ستظل رهينة بمدى قدرة الحكومة على ترجمة وعودها إلى إجراءات ملموسة تحدث تغييرًا حقيقيًا في حياة الأجراء، وتضمن لهم حقوقًا تتماشى مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم.

آخر الأخبار