200 مليون درهم سنويا.. هل تنجو الدار البيضاء من فخ الأحكام القضائية؟

الكاتب : انس شريد

26 فبراير 2025 - 10:00
الخط :

في قلب العاصمة الاقتصادية، تتفاقم أزمة الأحكام القضائية التي تثقل كاهل مجلس الدار البيضاء، حيث يجد نفسه مطالبًا بدفع 200 مليون درهم سنويًا لامتصاص الديون المتراكمة الناتجة عن دعاوى قضائية مستمرة منذ أكثر من عقدين.

هذا الوضع دفع عمدة المدينة، نبيلة الرميلي، إلى عقد لقاءات مكثفة مع رئاسة المحكمة الإدارية، في محاولة لإيجاد حلول بديلة لتنفيذ الأحكام دون التأثير على التنمية المحلية.

وأكدت عمدة الدار البيضاء على هامش هذا الاجتماع أن المجلس الجماعي الحالي ورث إرثًا ثقيلًا من القضايا العالقة، التي باتت تشكل عائقًا حقيقيًا أمام تنفيذ المشاريع التنموية، مشيرة إلى أن هذه الملفات لا تتعلق فقط بالخلافات المعتادة، بل تشمل نزاعات مع مؤسسات عمومية وشركات مختلطة، إلى جانب قضايا الاعتداء المادي، المنازعات الضريبية، والصفقات العمومية.

وأكدت ذات المتحدثة، أن 200 مليون درهم هو المبلغ السنوي الذي تؤديه المجلس الحالي للعاصمة الاقتصادية للتخلص من الأحكام القضائية المتراكمة لسنوات.

وتابعت العمدة أن هذه الملفات الشائكة تحتاج إلى تدقيق معمق وحلول جذرية لإنهائها بطريقة سليمة، مشيرة إلى أن الاجتماعات المستمرة مع المحكمة الإدارية قد تكون المفتاح لكسر هذا الجمود القانوني الذي يكلف المدينة أموالًا طائلة.

وشددت على أن هذه المبالغ الهائلة، التي تُستنزف سنويًا بسبب الأحكام القضائية المتراكمة، كان من الممكن أن تُحدث فارقًا حقيقيًا في الدار البيضاء، من خلال تمويل مشاريع تنموية كبرى، وتحسين البنية التحتية، وتوفير تجهيزات أساسية تخدم الساكنة.

لكنها أوضحت أن المجلس الحالي قرر خوض معركة صعبة لتنفيذ هذه الأحكام المتوارثة عن سنوات من سوء التدبير، محاولًا إنهاء دوامة الديون التي ترهق العاصمة الاقتصادية.

المجلس الجماعي، بدوره، يسعى إلى اتباع نهج مختلف يقوم على التنفيذ الحبي للأحكام القضائية، حسب الرميلي كبديل عن المساطر الاعتيادية، بهدف ربح الوقت وتقليل الأضرار المالية.

هذا النهج، الذي يعتمد على التنسيق بين المحكمة الإدارية، الوكالة الحضرية، الخازن الجهوي والمحافظة العقارية، يهدف حسب عمدة الدار البيضاء، إلى تجاوز العراقيل القانونية التي تعيق تسوية النزاعات العالقة، إلا أن نجاحه يظل رهينًا بتعاون جميع الأطراف المعنية.

الأرقام التي كشف عنها سابقا، الحسين نصر الله، نائب العمدة المكلف بقطاع التعمير، تعكس حجم الأزمة، حيث تواجه الجماعة 174 قضية أمام المحاكم، تتوزع بين اعتداء مادي، نزاعات ضريبية، قضايا إلغاء، وصفقات عمومية، فضلًا عن ملفات مرتبطة بالتعمير وحوادث السير.

هذه المعطيات، حسب ما قدمه الحسين نصر الله، خلال أشغال الدورة العادية للمجلس الحالي، لا تشمل فقط الدعاوى المرفوعة ضد الجماعة، بل تمتد أيضًا إلى القضايا التي بادرت الجماعة إلى رفعها دفاعًا عن مصالحها، حيث لجأت إلى أسلوب التدخل غير الخارج عن الخصومة، وهو مناورة قانونية مكّنتها، في إحدى القضايا، من تجنب دفع 3 مليارات و200 مليون سنتيم كتعويض.

لكن رغم محاولات المجلس الجماعي لتسوية هذه الملفات، فإن أزمة الأحكام القضائية لم تعد محصورة داخل أروقة الجماعة، بل امتدت إلى قبة البرلمان، حيث أثارت النائبة البرلمانية لبنى الصغيري القضية في سؤال كتابي موجه إلى وزير الداخلية، مطالبة بتوضيحات حول كيفية تنفيذ هذه الأحكام دون التأثير على الميزانيات المحلية.

وسبق أن كشفت الصغيري أن الجماعة تواجه ما مجموعه 3465 قضية، منها 2552 دعوى جديدة خلال 2024 وحده، ما يعكس تصاعد النزاعات القانونية بدلًا من انحسارها.

الإشكالية التي يواجهها مجلس المدينة تتجاوز الجانب القانوني، إذ تطرح تساؤلات جوهرية حول التوازن بين احترام دولة القانون وتنفيذ الأحكام القضائية من جهة، وضمان استمرارية المشاريع التنموية والمرافق العامة من جهة أخرى.

ففي مدينة بحجم الدار البيضاء، حيث تتركز المصالح الاقتصادية الكبرى وتتعاظم التحديات الاجتماعية، يصبح من الضروري إيجاد حلول مبتكرة تضمن عدم تحول هذه القضايا إلى عقبة دائمة أمام التنمية.

مع اقتراب استضافة المدينة لتظاهرات عالمية كبرى، أبرزها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، تصبح الحاجة أكثر إلحاحًا لحل هذه الأزمة، خاصة أن تنفيذ الأحكام القضائية هو التزام دستوري لا يمكن تجاوزه.

لكن السؤال الأهم الذي يظل مطروحًا هو: هل ستتمكن الجماعة من احتواء هذه القضايا دون التأثير على مستقبل التنمية في الدار البيضاء، أم أن النزاعات القانونية ستظل عائقًا مستمرًا يعطل طموحات العاصمة الاقتصادية للمملكة؟

آخر الأخبار