الحكومة تخرج عن صمتها: "مول السردين" بـ5 دراهم يعكس توجهاتنا لمراقبة الأسعار

الكاتب : انس شريد

27 فبراير 2025 - 06:30
الخط :

في الأيام الأخيرة، تصدرت قضية الشاب المراكشي عبد الإله، المعروف إعلاميًا بـ"مول السردين"، حديث الشارع المغربي بعدما قرر بيع السمك بسعر لم يعتده المستهلكون في الأسواق، حيث حدد ثمن السردين بـ5 دراهم للكيلوغرام، في خطوة رأى البعض أنها تحدٍّ مباشر للمضاربين الذين يرفعون الأسعار دون مبرر، فيما اعتبرها آخرون مجرد محاولة لجذب الانتباه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الحكومة لم تبقَ صامتة أمام هذا الجدل المتصاعد، إذ خرج الناطق الرسمي باسمها، مصطفى بايتاس، ليؤكد أن ما قام به "مول السردين" يتماشى تمامًا مع توجه الحكومة، مشيرًا إلى أن هذه الأخيرة تعمل على تجنيد كل الإمكانيات القانونية لمحاربة الغلاء وضبط الأسواق عبر لجان المراقبة التي تشتغل على مدار السنة وليس فقط في فترات معينة مثل شهر رمضان أو المناسبات التي يرتفع فيها الطلب على المواد الاستهلاكية.

تصريحات بايتاس عقب اجتماع المجلس الحكومي لم تهدئ الجدل، بل زادت من التساؤلات حول مدى فعالية هذه اللجان في الحد من التلاعب بالأسعار، خاصة أن الأسواق لا تزال تشهد ارتفاعًا غير مبرر في أثمنة العديد من المنتجات الأساسية.

في المقابل، يرى بعض المهنيين في قطاع الصيد البحري وتجارة السمك أن ما قام به عبد الإله ليس سوى دعاية شخصية، مؤكدين أن بيع السردين بهذا السعر لا يغطي حتى تكاليف النقل والتخزين، ناهيك عن باقي المصاريف المرتبطة بسلسلة التوزيع.

تجار السمك في أسواق الدار البيضاء في حديثهم للجريدة 24 أبدوا استغرابهم من إمكانية تحقيق أي ربح عند بيع السردين بهذا السعر، متهمين الشاب بالسعي وراء "البوز" واستغلال تعاطف الجمهور لتحقيق مكاسب على منصات التواصل الاجتماعي أكثر من كونه يقدم حلاً حقيقياً لمشكلة الغلاء.

من جهة أخرى، يؤكد بعض البحارة من موانئ الجنوب أن سعر السردين عند نقطة الصيد غالبًا ما يكون منخفضًا جدًا، حيث لا يتجاوز في بعض الأحيان 2.5 درهم للكيلوغرام، ومع ذلك، يصل إلى الأسواق بسعر مضاعف بشكل غير مبرر، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول الأرباح التي يجنيها الوسطاء والتجار الكبار على حساب المستهلك البسيط.

مع اقتراب شهر رمضان، الذي يشهد عادة ارتفاعًا كبيرًا في الطلب على الأسماك، تزداد مخاوف المواطنين من استمرار ارتفاع الأسعار، خاصة أن الوضع الاقتصادي العام يشهد ضغوطًا متزايدة بسبب التضخم وغلاء المعيشة.

الحكومة، من جانبها، أطلقت مبادرة "حوت بثمن معقول"، التي تهدف إلى توفير الأسماك بأسعار مخفضة عبر أكثر من 1000 نقطة بيع موزعة على 40 مدينة مغربية، في محاولة لضبط السوق والحد من المضاربة.

ورغم أهمية هذه المبادرة، إلا أن الكثيرين يشككون في مدى فعاليتها، حيث سبق أن أطلقت حملات مماثلة في السنوات الماضية دون أن تحقق تأثيرًا ملموسًا على الأسعار، ما يجعل البعض يعتبرها مجرد إجراء شكلي لا يرقى إلى مستوى الحلول الجذرية التي يحتاجها السوق.

ما حدث مع "مول السردين" ليس مجرد واقعة معزولة، بل يعكس صورة أعمق عن اختلالات سوق المواد الغذائية في المغرب، حيث يتكرر نفس السيناريو في مختلف القطاعات، من الخضروات والفواكه إلى اللحوم والمنتجات الأساسية الأخرى.

المواطن المغربي اليوم يجد نفسه عالقًا بين مطرقة الغلاء وسندان ضعف الرقابة، بينما يظل السؤال الأهم معلقًا دون إجابة واضحة: هل تمتلك الحكومة فعلاً القدرة والإرادة السياسية لوضع حد لهذه الأزمة، أم أن الأمر سيظل مجرد وعود تتبخر أمام واقع تتحكم فيه شبكات المضاربة والمصالح الكبرى؟

آخر الأخبار