مبادرات تخفيض الأسعار تنتشر.. فهل حان وقت تدخل الحكومة لردع المضاربين؟

الكاتب : انس شريد

28 فبراير 2025 - 10:00
الخط :

مع حلول شهر رمضان، يجد المواطن المغربي نفسه أمام موجة غلاء غير مسبوقة، حيث تقفز أسعار المواد الأساسية بشكل يثقل كاهله ويضغط على ميزانيته اليومية.

هذه الأزمة، وإن لم تكن وليدة اللحظة، إلا أنها باتت أكثر حدة في السنوات الأخيرة، ما يجعل التساؤلات تتجدد حول مدى مسؤولية الحكومة في ضبط السوق وحماية القدرة الشرائية.

الحكومة، كعادتها، تبرر هذا الغلاء بعوامل خارجية، مثل التقلبات الاقتصادية العالمية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والتضخم الذي يشهده العالم.

ورغم أن هذه العوامل قد تبدو مقنعة للبعض، إلا أنها سرعان ما تفقد مصداقيتها عند معاينة الواقع في الأسواق المحلية، حيث تتحكم المضاربة والاحتكار في الأسعار، بينما تغيب التدخلات الصارمة التي من شأنها وضع حد للفوضى الاقتصادية التي يكتوي بها المواطن البسيط.

ووسط موجة الغلاء، بدأت دعوات المقاطعة تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق العديد من المغاربة وسم "المقاطعة" احتجاجًا على ارتفاع الأسعار.

ورغم هذا الجدل، أطلق عدد من التجار مبادرات فردية لكسر موجة الغلاء، في خطوة اعتبرها كثيرون تحديًا مباشرًا لسياسة المضاربة التي ينتهجها بعض المحتكرين. هذه المبادرات لقيت استحسانًا واسعًا بين المواطنين، الذين أنهكتهم الأسعار الملتهبة وأثقلت كاهلهم المعيشي.

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعدد من التجار الذين قرروا مواجهة الاحتكار بأسلوبهم الخاص. من بين هؤلاء، جزار في الدار البيضاء أحدث ضجة كبيرة بعدما خفّض أسعار اللحوم إلى 50 درهمًا للكيلوغرام، في وقتٍ تشهد فيه الأسواق ارتفاعًا غير مسبوق.

كما خطف "ياسين مول الحوت" الأضواء في مراكش، حينما قرر بيع الأسماك بأثمنة غير مسبوقة، أبرزها السردين الذي عرضه بخمسة دراهم فقط للكيلوغرام الواحد، ما أثار إعجابًا واسعًا بين المستهلكين، ودفع الكثيرين للتساؤل: إذا كان بإمكان هؤلاء التجار البيع بهذه الأسعار، فلماذا تصر الأسواق الكبرى على رفعها؟

وأطلقت جمعيات حماية المستهلك في الآونة الأخيرة تحذيرات متكررة حول الارتفاع غير المبرر للأسعار، مطالبة بتكثيف الرقابة على الأسواق على مدار السنة، بدل الاقتصار على الحملات الموسمية خلال شهر رمضان فقط.

كما دعت إلى إعادة النظر في قائمة السلع التي تخضع لتنظيم الأسعار بما يتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين.

في هذا السياق، أكدت الجامعة المغربية للمستهلك أن تعدد الوسطاء في سلاسل التوزيع يؤدي إلى تضخم الأسعار بشكل غير مبرر، خاصة في أسواق الخضر والفواكه، حيث تمر المنتجات بعدة مراحل بيع قبل وصولها إلى المستهلك، مما يرفع التكلفة النهائية بشكل لا يعكس السعر الحقيقي للمنتج.

حكومة عزيز أخنوش تواجه انتقادات حادة بسبب الغلاء، ولم تقتصر هذه الانتقادات على المعارضة أو الهيئات النقابية، بل امتدت إلى بعض مكونات الحكومة نفسها.

وزير التجهيز والماء، نزار بركة، لم يتردد في الإعراب عن استيائه من تفاقم الأسعار والممارسات الاحتكارية، وهو ما يعكس وجود تململ داخل الائتلاف الحكومي ذاته.

ودعت الفعاليات المجتمعية إلى فرض مراقبة صارمة على مراحل الإنتاج والتوزيع، معتبرة أن الوسطاء هم السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار، ما يستوجب إعادة هيكلة أسواق الجملة لمحاربة السماسرة.

وأكد أحمد بيوض، الرئيس المؤسس لجمعية "مع المستهلكين"، أكد في تصريح لـ"الجريدة 24" أن البائعين ملزمون فقط بتعليق لائحة الأسعار في واجهة المحلات التجارية، مشيرًا إلى أن الحكومة مطالبة بمراقبة مراحل الإنتاج للقضاء على الوسطاء.

وأضاف أن المضاربين هم المسؤولون بالأساس عن ارتفاع الأسعار، لكن الحكومة لا تزال عاجزة عن التصدي لهذه المشكلة، مما يستوجب إعادة هيكلة وتقنين أسواق الجملة.

كما شدد على ضرورة إزالة الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على أسواق الجملة للخضر والفواكه بشكل مؤقت إلى حين انخفاض الأسعار، مع تكثيف الرقابة الفعلية على الأسواق بدل الاكتفاء بحملات موسمية لا تحقق نتائج ملموسة.

النقابات العمالية، وعلى رأسها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، صعّدت من لهجتها تجاه الحكومة، متهمة إياها بالتخلي عن دورها في ضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية.

النقابة اعتبرت أن الحكومة سمحت للوبيات المضاربة بالتحكم في السوق، داعية إلى اتخاذ إجراءات مستعجلة لمكافحة الغلاء والاحتكار، والعمل على تحسين الأجور وتعزيز الحماية الاجتماعية.

ومع استمرار ارتفاع الأسعار، يتزايد القلق من انعكاسات ذلك على الاستقرار الاجتماعي، خاصة في ظل تفشي البطالة وتراجع القدرة الشرائية.

الوضع يتطلب استجابة فورية من الحكومة، ليس فقط عبر حملات المراقبة الموسمية، بل من خلال إصلاحات هيكلية حقيقية تضع حدا للفوضى في الأسواق وتعيد التوازن إلى الأسعار، وإلا فإن الاحتقان الاجتماعي قد يصل إلى مستويات غير مسبوقة.

آخر الأخبار