بعد إلغاء عيد الأضحى.. دعوات لإنشاء لجنة لمراقبة أسعار اللحوم أسبوعيا

أثار قرار الملك محمد السادس بإلغاء شعيرة نحر الأضاحي خلال عيد الأضحى لهذا العام، بسبب التحديات الاقتصادية وتراجع أعداد القطيع الوطني، موجة من ردود الفعل المتباينة بين مختلف شرائح المجتمع المغربي.
ففي الوقت الذي رأى فيه المواطنون هذه الخطوة تخفيفًا للعبء المالي عن الأسر، عبّر مربو الماشية والجزارون عن مخاوفهم من تداعيات القرار على قطاع تربية المواشي وأسعار اللحوم الحمراء.
في ظل الجفاف المستمر وارتفاع أسعار الأعلاف، توقعت مصادر مهنية حدوث انخفاض تدريجي في أسعار اللحوم الحمراء داخل الأسواق المغربية، خصوصًا بعد أن بدأ بعض الجزارين في خفض الأسعار استجابة لتراجع الطلب.
لكن في المقابل، لا يزال البعض الآخر متمسكًا بمستويات الأسعار المرتفعة، في انتظار توازن السوق ومعرفة تأثير القرار على المدى الطويل.
وأصدر مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، تقريرًا حمل عنوان: "الامتناع عن نحر أضحية 2025: تخفيف الأعباء الاجتماعية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي"، مؤكداً على ضرورة متابعة أسواق اللحوم الحمراء وإخضاعها لرقابة حكومية صارمة.
وأوصى التقرير بإنشاء لجنة متخصصة لمراقبة الأسعار أسبوعيًا، مع إمكانية التدخل الحكومي عبر الدعم أو التسعير إذا تجاوزت الأسعار 120 درهمًا للكيلوغرام الواحد.
ولتفادي الأزمات المستقبلية، شدد التقرير على أهمية دعم برامج التلقيح الصناعي وتحسين السلالات المحلية بهدف رفع الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 20% و25% خلال السنوات الثلاث المقبلة.
كما دعا إلى تشجيع المزارع النموذجية التي تعتمد على تقنيات حديثة موفرة للمياه، مع وضع خطة لزيادة القطيع بمقدار مليون رأس بحلول عام 2027.
وفي إطار تعزيز الأمن الغذائي، أوصى التقرير بإنشاء مخزون استراتيجي من اللحوم المجمدة لا يقل عن 50 ألف طن، لضمان استقرار الأسعار في حالة نقص العرض.
كما نبه إلى ضرورة إعادة توجيه السياسة الفلاحية نحو تعزيز الإنتاج المحلي، بدلًا من الاعتماد على الاستيراد الذي قد يزيد من تعقيد الأزمة.
كما تصاعدت دعوات النشطاء بضرورة فرض رقابة صارمة على الأسواق، مؤكدين أن غياب الرقابة فتح الباب أمام المضاربة والاحتكار، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.
وشددوا على أهمية التدخل العاجل لوضع حد لهذه الممارسات التي تثقل كاهل المواطنين، محذرين من أن استمرار الفوضى في السوق قد يزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية.
الأزمة الحالية لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج عوامل متراكمة أبرزها الجفاف الحاد، وارتفاع أسعار الأعلاف والمحروقات، إلى جانب ما وصفه وزير الصناعة والتجارة رياض مزور في وقت سابق بـ"الاحتكار والمضاربة".
ففي مقابلة على قناة "ميدي 1"، كشف الوزير عن وجود 18 مضاربًا يتحكمون في سوق اللحوم الحمراء، حيث رفعوا هوامش الربح إلى مستويات غير مسبوقة.
ورغم أن الحكومة قامت بإجراءات متعددة لتخفيف الضغط، مثل إلغاء الرسوم الجمركية على الاستيراد واستيراد 200 ألف رأس من الأغنام، إلا أن الوزير أكد أن المضاربين استغلوا هذه القرارات لصالحهم بدلًا من تمرير الفوائد إلى المستهلكين.
وأوضح أن هامش الربح كان من المفترض أن لا يتجاوز 10 دراهم للكيلوغرام، لكنه وصل إلى 25 درهمًا لدى المستوردين، مما ضاعف الضغط على السوق.
في خضم هذه التطورات، تحدث أحد الجزارين ومربي الماشية في الدار البيضاء، في حديثه للجريدة 24، عن التحديات التي تواجه القطاع، مؤكدًا أن القرار يُعدُّ منصفًا للمواطن البسيط، لكنه في المقابل يشكل ضربة موجعة للكسابة الذين يواجهون أعباء مالية متزايدة.
ودعا الحكومة إلى تقديم دعم عاجل لهذه الفئة، تجنبًا لخروج العديد من المربين من السوق، مما قد يؤدي إلى تفاقم أزمة اللحوم الحمراء مستقبلًا.
ورغم أن القرار لم يكن مفاجئًا في ظل الأزمة الاقتصادية وشح الموارد المائية، إلا أن طريقة إعلانه وتوقيته أضفيا عليه طابعًا استثنائيًا.
فقد تباينت ردود الفعل بين الإشادة بالحكمة الملكية، وبين المخاوف من التداعيات الاقتصادية على المدى البعيد.
المشهد العام في المغرب اليوم يعكس حالة من الترقب، حيث يأمل المواطنون في أن يكون هذا القرار مقدمة لإصلاحات اقتصادية أوسع، بينما ينتظر مربو الماشية والجزارون إجراءات حكومية تعوضهم عن الخسائر المحتملة.
وبين مؤيد ومعارض، يبقى قرار إلغاء نحر الأضاحي لعام 2025 حدثًا فارقًا في تاريخ المغرب، يعكس رؤية ملكية تضع المصلحة العامة فوق كل الاعتبارات، في توازن دقيق بين متطلبات الواقع الاقتصادي والتقاليد الدينية.