اعترافات صادمة وشهادات متناقضة.. ملف "إسكوبار الصحراء" يدخل مرحلة الغليان

في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ القضاء، تتواصل فصول محاكمة المتورطين في ملف "إسكوبار الصحراء"، الذي تفجرت خيوطه ليكشف عن شبكة معقدة من المصالح، تجمع بين النفوذ السياسي والمال والتهريب الدولي للمخدرات والذهب.
القضية التي يتابعها الرأي العام المغربي باهتمام بالغ، لم تعد مجرّد ملف قضائي عادي، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس تداخل السلطة والثروة والخرق المنهجي للقانون.
وتواصل المحكمة الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف في الدار البيضاء، الاستماع إلى تفاصيل متشعبة ضمن هذا الملف، الذي يضم أزيد من 28 متهما من العيار الثقيل. أبرز الأسماء التي تثير الجدل في أروقة المحكمة هو سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد الرياضي والقيادي البارز السابق في حزب الأصالة والمعاصرة، إلى جانب عبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، وآخرين من بينهم برلمانيون، رجال أعمال، ووسطاء عقاريون.
في جلسة استثنائية، خطف سعيد الناصري الأضواء بعدما وقف أمام القاضي علي الطرشي بنبرة حازمة، مطالبا بمنحه الوقت الكافي لكشف ما وصفه بـ"الحقائق التي ستنقل الملف من الخيال إلى الواقع".
وأكد الناصري أن التهم الموجهة إليه قائمة على مغالطات وتواطؤات، داعيا إلى تحقيق تقني يشمل سجلات الاتصالات وتحليل المعطيات الرقمية التي قد تبرئه.
ويواجه الناصري، قائمة طويلة من التهم تشمل التزوير في محررات رسمية، المشاركة في اتفاقات مشبوهة لترويج المخدرات وتصديرها، النصب، استغلال النفوذ، وتهريب عملات أجنبية دون تصريح.
ورغم خطورة هذه التهم، أصرّ على براءته مؤكداً أن الأدلة المقدمة لا تصمد أمام التحليل الموضوعي، مشككا في خلفيات فتح الملف وتوقيته.
من جهة أخرى، استأثر المتهم بلقاسم.ب، البرلماني السابق وصهر عبد النبي بعيوي، بجزء كبير من النقاش القضائي، حيث واجهته المحكمة بتهم تهريب دولي للمخدرات والذهب، وعلاقات مشبوهة مع شخصيات تنشط في السوق السوداء.
ودافع بلقاسم، الذي بدا تارة واثقًا وتارة مرتبكًا، عن نفسه موضحًا أن نشاطه التجاري يقتصر على العقار والفلاحة، نافيا أية علاقة له بتجارة الذهب أو المخدرات، رغم تعدد الشهادات والوثائق التي تربطه بأسماء متورطة في الشبكة.
في واحدة من اللحظات التي شدت انتباه الحضور، فاضت دموع بلقاسم عندما تحدث عن وفاة زوجته وتركها له ثلاثة أطفال رضع، مشددا على أن ما قام به من مساعدات لإسكوبار الصحراء، الملقب بـ"الحاج بنبراهيم"، لم يكن سوى بدافع إنساني، إذ أسكنه في فيلا بالدار البيضاء بطلب من زوجته السابقة، الفنانة لطيفة رأفت.
وتابع بتحدٍ: "قدمت له الخير فقط، لا أعلم لماذا يكذب الآن"، مطالبا باستدعاء لطيفة رأفت لتأكيد أقواله.
بلقاسم نفى أيضا تورطه في أي نشاط تجاري له صلة باستيراد سيارات من الصين، قائلا إن محله لا يتعدى كونه نقطة بيع للأثاث، وليس معرضا للسيارات، وعندما تمّت مواجهته بشهادات تؤكد زيارته رفقة بنبراهيم لمحل بيع سيارات في وجدة، أنكر تماما معرفته بالأمر، معتبرا أن لا وجود لأي محل سيارات تحت العمارة التي يملكها هناك.
كما واصل بلقاسم نفيه المطلق لأي علاقة له بتهريب المخدرات أو الذهب، متسائلا عن سبب استهدافه دون وجود دلائل تقنية ملموسة، مشددا على أن تاريخه المهني معروف في مدينة وجدة، خصوصا في قيسارية الذهب، دون أن يكون له نشاط مباشر في بيع المعدن النفيس.
الجلسات الماراثونية التي امتدت منذ ماي من السنة الماضية، كشفت أيضا عن علاقات معقدة بين المتهمين وشخصيات مؤثرة، وملاهي ليلية احتضنت لقاءات مشبوهة، وتحويلات مالية ضخمة تمت دون تبرير قانوني.
وواجه القاضي المتهمين بشهادات تؤكد مشاركتهم في سهرات واستخدام نفوذهم لتسهيل مرور الشحنات عبر المعابر الحدودية، وهي معطيات ما تزال في طور التحليل والتقصي.
ومع تقدم التحقيقات، تتضح معالم شبكة نفوذ استغلت الثغرات القانونية والبشرية لتكوين إمبراطورية إجرامية عابرة للحدود، تتقاطع فيها المصالح بين الفاعل السياسي والتاجر والمهرب، وتتداخل فيها المصالح الشخصية مع الاستغلال الفج للسلطة.
وقررت المحكمة تأجيل الجلسة إلى الجمعة المقبلة، في انتظار الاستماع لبقية المتهمين، بينما يترقب الرأي العام اللحظة التي ينكشف فيها المستور، وتُحسم واحدة من أخطر القضايا التي وضعت السلطة والعدالة في المغرب أمام اختبار غير مسبوق.