التمييز في الأجور على طاولة الحوار الاجتماعي.. جولة مرتقبة على وقع الغلاء وتطلعات الشغيلة

يستعد المغرب لخوض جولة جديدة من جولات الحوار الاجتماعي خلال الأيام القليلة المقبلة، في ظل سياق اقتصادي واجتماعي صعب، تطبعه تداعيات ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية، ما يضع الحكومة والنقابات أمام اختبار جديد عنوانه الأبرز: العدالة في الأجور، ورفع الحيف عن الفئات المتضررة.
وتتجه الأنظار إلى جولة أبريل المرتقبة باعتبارها محطة مفصلية ينتظر أن تفضي إلى مخرجات ملموسة، خصوصاً في ما يتعلق بتحسين أوضاع الشغيلة وتدارك ما يعتبره فاعلون نقابيون "تمييزاً غير مبرر" في منظومة الأجور، خاصة داخل القطاع الفلاحي، الذي لا يزال يسجل فارقاً كبيراً في الحد الأدنى للأجور مقارنة بباقي القطاعات الإنتاجية.
وفي هذا الإطار، كثفت الحكومة، بقيادة عزيز أخنوش، من لقاءاتها التمهيدية مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، إلى جانب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في محاولة لخلق مناخ تفاوضي مثمر، غير أن الأجواء لا تزال مشوبة بالحذر، نتيجة تجارب سابقة شابها تأجيل في تنزيل الاتفاقات أو الاكتفاء بإجراءات محدودة الأثر.
ويُرتقب أن يتصدر ملف التمييز في الحد الأدنى للأجور أولويات النقاش، حيث تطالب النقابات بتفعيل التزامات سابقة، أبرزها اتفاق أبريل 2011، الذي جرى تأكيده مجدداً سنة 2022، دون أن يعرف مسار التنفيذ أي تقدم يُذكر، وفق تأكيدات نقابية.
وفي خطوة احتجاجية موازية لانطلاق الجولة، أعلنت النقابة الوطنية للعمال الزراعيين، التابعة للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، عن إطلاق حملة وطنية احتجاجية ستستمر لغاية 21 أبريل الجاري، للمطالبة بإنهاء "التمييز المجحف" في الأجور، معتبرة أن عمال وعاملات القطاع الفلاحي يعيشون في ظروف هشة، ويستحقون العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق.
وأكدت النقابة، في بلاغ لها، أن التماطل في إصدار مراسيم تنفيذية، وتجاهل اتفاقية جماعية عالقة منذ أزيد من سنتين، يعكسان غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتسوية هذا الملف، محذرة من محاولات الالتفاف على المطالب المشروعة من خلال زيادات "شكلية" لا تستجيب لحجم التحديات.
وفي السياق ذاته، وسّعت النقابة من مطالبها لتشمل العاملات المغربيات الموسميات في الحقول الإسبانية، اللواتي يواجهن، وفق تعبيرها، أشكالاً من "التمييز والعنصرية"، داعية إلى تدخل رسمي يضمن كرامتهن ويحمي حقوقهن كعاملات مهاجرات.
من جهتها، ترى الحكومة أن الجولة المقبلة تمثل فرصة لتعزيز الثقة وإعادة بناء جسور الحوار على أسس واقعية وتدريجية، مشيرة إلى أن التحديات المالية والضغوط الاقتصادية الراهنة تفرض توازناً بين المطالب الاجتماعية والإمكانات المتاحة.
وفي المقابل، لا يقتصر الضغط على الحكومة من القطاع الفلاحي فقط، إذ يواصل موظفو القطاع العام بدورهم المطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، رغم استفادتهم من زيادة عامة أقرت خلال اتفاق أبريل 2024.
ويُنتظر أن يُصرف الشطر الثاني من الزيادة، والمقدر بـ500 درهم، في يوليوز المقبل، غير أن النقابات تعتبر هذه الزيادة غير كافية لمواجهة غلاء المعيشة، خاصة في المدن الكبرى التي تعرف ارتفاعاً متسارعاً في تكاليف الحياة.
وفي ظل هذا الزخم، تبرز جولة أبريل من الحوار الاجتماعي كمنعطف حاسم، قد يرسم ملامح مرحلة جديدة في العلاقة بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، إما عبر إرساء لبنات عدالة أجرية حقيقية، أو بإعادة إنتاج الإحباطات السابقة، ما قد يفتح الباب أمام تصعيد اجتماعي غير مستبعد في حال تعثر المفاوضات.