تعاون يومي وتدريب مشترك.. باريس والرباط ترفعان منسوب التنسيق الأمني

على الرغم من التوترات الدبلوماسية التي طبعت العلاقات بين المغرب وفرنسا على مر السنوات، فإن التعاون الأمني بين البلدين ظل صامداً ومتيناً، يشهد على ذلك العمل المشترك الذي يجمع الأجهزة الأمنية في كل من باريس والرباط.
ويُعزى هذا المستوى الاستثنائي من التنسيق، حسب ما أوردته إذاعة "أوروبا 1" الفرنسية في مقال نشر بتاريخ 14 أبريل، إلى شخصية محورية لعبت دوراً حاسماً في إبقاء قنوات التعاون مفتوحة، ويتعلق الأمر بعبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني بالمغرب.
في خضم التحولات التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا، لا سيما مع دخول العلاقات الفرنسية الجزائرية مرحلة جديدة من التوتر، يبدو أن باريس والرباط اختارتا المضي في اتجاه مغاير، حيث يواصل البلدان تعزيز تعاونهما الأمني على أعلى المستويات.
ومن المنتظر أن يقوم وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيليو بزيارة رسمية إلى المغرب، حيث سيلتقي بنظيره عبد الوافي لفتيت لمناقشة عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، أبرزها ملفات التصاريح القنصلية، سياسة التأشيرات، مكافحة الجريمة المنظمة، والاتجار الدولي بالمخدرات.
رغم الفتور السياسي في فترات سابقة، لم يتأثر التعاون الأمني بين البلدين، حيث استمر تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية المغربية والفرنسية دون انقطاع، حتى في أصعب اللحظات.
ويؤكد متابعون أن لعبد اللطيف الحموشي دوراً محورياً في هذا الاستمرار، نظراً لقربه من الملك محمد السادس، وإشرافه المباشر على أهم أجهزة الأمن والاستخبارات بالمغرب. وظل الحموشي حريصاً على تقاسم المعلومات الحساسة مع الجانب الفرنسي، خاصة في الملفات المرتبطة بالإرهاب، كما حدث عقب هجمات باتاكلان في باريس سنة 2015، حين ساهمت معلومات استخباراتية مغربية في تحديد موقع العقل المدبر للهجوم عبد الحميد أباعود.
وتُظهر هذه العلاقة المتينة بين الأجهزة الأمنية المغربية والفرنسية قدرة التعاون على تجاوز حتى أكثر الملفات حساسية، من ضمنها قضية استخدام برنامج التجسس "بيغاسوس"، التي أثارت الكثير من الجدل، لكنها لم تمنع استمرار الاتصالات وتبادل المعطيات بين ضباط الشرطة من الجانبين.
ولا يقتصر التعاون الأمني بين الرباط وباريس على تبادل المعلومات الاستخباراتية فحسب، بل يمتد أيضاً إلى التكوين والتدريب، حيث تخصص المدارس الأمنية الفرنسية عدداً من المقاعد لفائدة المرشحين المغاربة في مختلف التكوينات الشرطية.
ويكاد التعاون أن يكون يومياً، وفق مصادر فرنسية، وهو ما تؤكده أحدث التدريبات التي أجريت الأسبوع الماضي، وشهدت تكوين 12 فرداً من موظفي الحماية المدنية المغربية على تقنيات البحث والإنقاذ تحت الأنقاض، تحت إشراف خبراء فرنسيين متخصصين.
هذا النموذج من التنسيق الأمني، الذي يعلو فوق الخلافات السياسية، يعكس فهماً مشتركاً لحجم التحديات الأمنية الإقليمية والدولية، ويؤكد في الآن ذاته أن الاستقرار والتعاون الاستخباراتي يظلان من أبرز أعمدة الشراكة المغربية الفرنسية، مهما اختلفت السياقات وتباينت المواقف الدبلوماسية.