نزيف الوظائف يُربك سوق الشغل في المغرب وسط تصاعد الهجرة القروية

لا تزال أزمة البطالة تُخيم بثقلها على المشهد المغربي، متربعة على رأس التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، في ظل مؤشرات مقلقة وتصريحات رسمية تعكس حجم التعقيد الذي تعرفه سوق الشغل.
وعلى الرغم من الوعود الحكومية المعلنة خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في برنامجها الرامي لتوفير مليون فرصة عمل، فإن الواقع يؤكد اتساع الفجوة بين الالتزامات والإنجازات، وسط غضب شعبي متزايد وانتقادات متصاعدة من المعارضة التي تضع الحكومة في قفص الاتهام بالفشل في تفعيل وعودها.
في ندوة وطنية عقدت بالدار البيضاء، خصصت لمناقشة واقع البطالة وآفاق التشغيل، كشف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، عن معطيات مقلقة بشأن التراجع الحاد في قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب اليد العاملة، لا سيما من الفئات القروية والشباب حاملي الشهادات.
وأوضح الوزير أن سوق العمل المغربي يواجه ضغوطاً مركبة، مردها الرئيسي إلى تدهور قطاعي البناء والأشغال العمومية والتجارة، وهما القطاعان اللذان كانا يشكلان تاريخيًا رافعة أساسية لامتصاص البطالة في صفوف الفئات الهشة.
وسجل الوزير أن تدفقات اليد العاملة من المناطق القروية نحو المدن ارتفعت إلى معدلات غير مسبوقة، حيث بلغ عدد النازحين سنويًا ما بين 150 إلى 200 ألف شخص، مقابل ما بين 30 و50 ألف فقط في السنوات السابقة.
وأرجع هذه الظاهرة إلى توالي سنوات الجفاف وتدهور النشاط الفلاحي، مما ساهم في تراجع فرص العمل في المجال القروي ودفع آلاف الشباب إلى الهجرة نحو المدن بحثًا عن فرص قد تكون غير متاحة.
وأمام هذا الواقع، أكد السكوري أن قطاع البناء فقد ما بين 25 و30 ألف فرصة شغل خلال العامين الماضيين، في حين خسر القطاع التجاري ما يقارب 60 ألف وظيفة.
وأوضح أن هذه الأرقام ترتبط بتأثيرات التضخم المستورد والأوضاع الجيوسياسية الدولية، بالإضافة إلى مشاكل داخلية في تدبير هذه القطاعات الحيوية.
وفي المقابل، أشار إلى أن القطاع المهيكل، خصوصًا الوظائف ذات الأجر الثابت، سجل نموًا لافتًا ساهم جزئيًا في امتصاص تداعيات الأزمة.
غير أن الصورة تزداد قتامة عند النظر إلى وضعية التشغيل الذاتي، حيث أشار الوزير إلى فقدان حوالي 500 ألف وظيفة في هذا المجال خلال فترة قصيرة، معتبراً هذا الرقم “كبيرًا جدًا” ويصعب تفسيره بشكل دقيق.
وأوضح أن هذه الخسارة تعود جزئيًا إلى تحول سلوك فئة من العاملين غير المهيكلين، الذين أوقفوا التصريح بمداخيلهم غير القارة رغبةً في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي والحماية الاجتماعية، وهو ما أثر على التقديرات الرسمية لمعدل البطالة.
وبحسب السكوري، فإن الوضع الحالي يستدعي مراجعة شاملة في السياسات العمومية المرتبطة بالتشغيل، مشدداً على ضرورة التركيز على تأهيل الفئات النشيطة وملاءمة مخرجات التكوين مع حاجيات السوق، إلى جانب تعزيز دينامية المقاولات الصغرى والمتوسطة، باعتبارها محركاً رئيسيًا للتشغيل.
كما دعا إلى الاستفادة من تجارب دولية ناجحة في مجالات دعم الإدماج الاقتصادي وتحفيز الاستثمار المحلي.
وتطرح هذه المعطيات تحديات جمة أمام صناع القرار في المغرب، الذين يجدون أنفسهم أمام واقع اجتماعي متقلب واقتصاد غير قادر على خلق فرص شغل كافية ومستدامة.
وفي ظل تنامي المطالب الشعبية بتحسين الأوضاع المعيشية وتوفير العمل الكريم، تبقى أزمة البطالة أحد أبرز الملفات الساخنة التي تتطلب استجابة فعلية تتجاوز الوعود والخطط النظرية، نحو إجراءات ملموسة تترجم التزامات الدولة إلى واقع يحس به المواطن.