كراسي محطمة ومرافق مدمرة.. مركب محمد الخامس يتعرض للتخريب مجددا

في مشهد أعاد إلى الأذهان مظاهر الشغب التي لطالما شوّهت صورة الملاعب المغربية، تعرض مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، مساء أمس، لتخريب طال مرافقه وكراسيه الجديدة، وذلك في أعقاب المواجهة التي جمعت فريق الرجاء الرياضي بضيفه حسنية أكادير، ضمن منافسات الجولة السابعة والعشرين من البطولة الوطنية الاحترافية لكرة القدم.
وأثار الحدث موجة من السخط العارم، سواء في الأوساط الرسمية أو لدى عموم المتابعين، خاصة وأن الملعب لم يمض على إعادة افتتاحه سوى أيام قليلة، بعد أن شهد سلسلة من الإصلاحات والتحديثات الواسعة التي هدفت إلى الارتقاء به إلى مصاف الملاعب العالمية.
وقد حمّلت مصادر مطلعة بعض المحسوبين على جماهير الفريق الضيف مسؤولية أعمال التخريب التي طالت المرافق الصحية وعددًا من الكراسي، إلى جانب إشعال الشماريخ داخل الملعب، وهو ما شكل خرقًا صارخًا للقوانين المنظمة ولأخلاقيات التشجيع الرياضي.
هذه السلوكات، التي وصفت بغير المسؤولة، لم تمر دون رد رسمي، حيث عبر عبد اللطيف الناصيري، نائب عمدة مدينة الدار البيضاء المكلف بقطاع الرياضة، عن أسفه واستيائه العميق لما حدث، معتبرا أن هذه التصرفات لا تمت بصلة لأخلاق المغاربة ولا تعكس الروح الرياضية التي يفترض أن تسود الملاعب الوطنية.
وفي منشور له على صفحته الرسمية، أكد الناصيري أن ما وقع "مؤسف ومؤلم"، متسائلًا بمرارة عن كيفية استعداد المغرب لاحتضان الاستحقاقات الرياضية الكبرى بعقلية لا تعرف سوى التكسير والتخريب.
وأضاف بنبرة حازمة أن الدولة والمجتمع مطالبان اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتصدي لكل أشكال الشغب، المادي منها والمعنوي، والعمل على ترسيخ ثقافة التشجيع النظيف واحترام المرافق العمومية، حفاظًا على ما تحقق من مكتسبات وتعزيزًا لصورة المغرب كوجهة رياضية إقليمية وعالمية.
الخراب الذي طال المركب الرياضي لم يكن مجرد أضرار مادية عابرة، بل جاء بمثابة صفعة مؤلمة في وجه كل الجهود الحثيثة التي بذلت خلال الفترة الأخيرة لإعادة تأهيل الملعب بما يتماشى مع المعايير الدولية.
فقد شملت التحسينات تجديدًا شاملًا لمستودعات الملابس وتجهيزها بأحدث المعدات، إلى جانب استبدال الكراسي القديمة بأخرى أكثر راحة وجودة، في خطوة نوعية تهدف إلى تحسين تجربة المتفرج.
كما تم تحديث المرافق المخصصة للإعلاميين وتجهيزها بأحدث الوسائل التقنية، ما يعكس رؤية شاملة لتقديم تغطية إعلامية تليق بالمنافسات الكبرى التي يشهدها المركب.
ولم يغفل المشروع التطويري الذي عرفه المركب الجانب التحكيمي، حيث تم تركيب نظام حكم الفيديو المساعد "VAR" لضمان نزاهة القرارات داخل رقعة الملعب، إضافة إلى تجهيز قاعة المؤتمرات الصحفية بأحدث أنظمة الصوت والصورة.
كما تم تركيب شاشات عملاقة عالية الدقة، فضلا عن تحديث منظومة الإضاءة والصوت، مما عزز الأجواء التفاعلية للمباريات وجعل حضورها تجربة مميزة تضاهي ما تشهده كبريات الملاعب الأوروبية.
وظل المركب الذي تم تدشينه سنة 1955 على مدى العقود الماضية معلمة رياضية بارزة احتضنت لحظات لا تُنسى في الذاكرة الرياضية المغربية، وهو اليوم يقف في قلب مشروع استراتيجي يروم جعله مركز إشعاع رياضي للمنطقة بأكملها.
غير أن ما وقع مساء أمس أعاد دق ناقوس الخطر بشأن ظاهرة شغب الملاعب، التي أصبحت تتطلب مقاربة أكثر حزمًا وردعًا، دون إغفال الدور الجوهري للتربية والتحسيس، خاصة في صفوف فئة الشباب التي تشكل القاعدة الأكبر من الجماهير.