البرلمان يشخص أعطاب التعليم العالي.. وأوزين يحذر: إصلاحات مرتجلة دون محاسبة

في ظل تسارع التحولات العالمية وتنامي التحديات التنموية والاجتماعية، وُضِع قطاع التعليم العالي بالمغرب مجددًا تحت المجهر البرلماني، خلال يوم دراسي احتضنه مجلس النواب لمساءلة السياسات العمومية المرتبطة بتدبير المنظومة التربوية، وسط انتقادات صريحة ومطالب واضحة بإعادة النظر في مسار إصلاح التعليم الجامعي.
اللقاء، الذي نُظم بمبادرة من الفريق الحركي، جمع وزراء وبرلمانيين وخبراء تربويين وأكاديميين من المغرب، وخلُص إلى تشخيص دقيق لمشاكل التعليم العالي، كما طرح إشكاليات جوهرية تتعلق بفعالية السياسات العمومية، ومدى قدرة الجامعات على مواكبة التحولات العالمية والمهنية المتسارعة.
واستعرض وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، في كلمته واقعًا مقلقًا يرتبط بتحولات كبرى يشهدها العالم في سوق الشغل، محذرًا من اندثار ما بين 60 و70 في المائة من المهن الحالية في أفق عام 2050.
وأكد أن هذا الواقع يفرض مراجعة شاملة لمضامين التكوين الجامعي من أجل ملاءمتها مع وظائف المستقبل، خاصة في ظل تسارع الثورة الرقمية وهيمنة الذكاء الاصطناعي على ميادين متعددة.
وشدد ميداوي على ضرورة منح الجامعات استقلالية فعلية، معتبرًا أن الاستقلالية لا يجب أن تكون شعارًا فقط، بل رافعة حقيقية للنجاعة والجودة.
ووجه ذات المتحدث، رسائل واضحة إلى الأساتذة والباحثين بضرورة التحلي بروح المسؤولية في ظل الرقابة المجتمعية المتزايدة على أداء الجامعة.
كما دعا إلى تجاوز النظرة المحلية أو الجهوية في التخطيط، لصالح رؤية كونية تنفتح على تطورات الاقتصاد الرقمي والسوق العالمية، مشددا على ضرورة إعادة النظر في القوانين الحالية التي وُضعت في بداية الألفية أو حتى في عام 2010.
في المقابل، حمل الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، موقفًا ناقدًا بشدة لما وصفه بـ"دوامة الإصلاحات الفاشلة"، متسائلًا عن مصير الملايير التي أنفقت في برامج متتالية بدون نتيجة إيجابية تذكر.
واعتبر أن المنظومة التعليمية تحولت إلى "مختبر لتجارب مرتجلة"، دون تقييم علمي ولا محاسبة واضحة.
وهاجم أوزين بقوة سياسات تعريب المناهج دون تأهيل لغوي، منتقدًا ما ترتب عن ذلك من ارتباك لدى الطلبة، مع ضعف فرصهم في ولوج الجامعات الدولية.
من جانبه، ذكّر رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، بمحورية الخطاب الملكي لسنة 2012 كمنعطف حاسم في تشخيص اختلالات التعليم المغربي.
وأشار إلى أن الملك محمد السادس طرح رؤية استباقية تهدف إلى تهيئة الشباب المغربي لاستيعاب تحولات المجتمع الرقمي والذكاء الاصطناعي، مؤكدًا على ضرورة إعداد العقول قبل ضخ الأدوات.
كما شهد اليوم الدراسي أيضًا مداخلات نقدية أخرى طالت الطريقة التي تُدار بها الإصلاحات، والتباين الصارخ بين التعليم العمومي والخصوصي، واستمرار نزيف الهدر المدرسي، لاسيما في المناطق القروية.
كما تم التشديد على ضرورة إشراك أهل الاختصاص في بلورة المناهج، والاستفادة من تجارب دول رائدة التي جعلت من التعليم رافعة حقيقية للتنمية.
وخلص اللقاء إلى جملة من التوصيات الرامية إلى وضع أسس إصلاح حقيقي ومستدام للمنظومة التربوية، من أبرزها اعتماد رؤية استراتيجية مستقرة، وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، وتثمين التكوين الجامعي، وتعزيز التفكير النقدي والمهارات الرقمية، إضافة إلى ضمان العدالة المجالية والإنصاف الاجتماعي في الولوج إلى التعليم.