72 شكاية في فاس و32 في البيضاء.. وهبي يكشف وجه الابتزاز الجمعوي ضد رؤساء الجماعات

أثار وزير العدل عبد اللطيف وهبي جدلاً واسعاً داخل قبة البرلمان، بعدما عبّر بصراحة نادرة عن رفضه لتعديلات تقدّمت بها فرق نيابية على مشروع القانون رقم 03.23، القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، خاصة تلك المتعلقة بالمادة الثالثة التي تتيح لجمعيات حماية المال العام تقديم شكايات مباشرة أمام القضاء.
خلال الجلسة التشريعية العمومية التي انعقدت يوم الثلاثاء بمجلس النواب، قدم وهبي مشروع القانون أمام أنظار البرلمانيين، ليفتح نقاشاً ساخناً حول حدود تدخل المجتمع المدني في قضايا الفساد المالي.
وتحدث الوزير بلغة حادة، منتقداً ما اعتبره “انحرافاً خطيراً” في دور بعض الجمعيات التي تحولت، بحسب وصفه، من فاعل مدني إلى عنصر ضغط سياسي يهدد استقرار المؤسسات المنتخبة ومصداقية المسار الديمقراطي.
واستشهد وهبي بحالات واقعية من مدن كبرى مثل فاس والدار البيضاء، حيث وُضعت عشرات الشكايات ضد رؤساء جماعات، 72 و32 على التوالي، لم يُدانوا في أي منها، واعتبر أن ذلك أسهم في تشويه سمعتهم والمسّ بحقهم في الدفاع.
وأضاف أن هذه الممارسات تفتح الباب أمام ما سماه “الابتزاز السياسي” من خلال استغلال القضاء كأداة للتشهير، مما يعيق مشاركة الكفاءات السياسية النزيهة ويغذي العزوف الانتخابي.
في كلمته أمام النواب، تساءل الوزير عن الجهة التي ينبغي أن تتحمل مسؤولية تشكيل الخارطة السياسية للبلاد، مؤكداً أن الأحزاب، لا الجمعيات، هي المخولة ديمقراطياً باختيار المرشحين وتحمّل مسؤولية أدائهم.
واعتبر أن فتح المجال أمام جمعيات غير خاضعة للمساءلة الشعبية للتأثير في العملية السياسية يشكل خطراً على التوازنات الدستورية والمؤسساتية.
وفي معرض رده على الانتقادات الموجهة إلى مشروع القانون، نفى وزير العدل أن يكون الهدف منه تقليص دور المجتمع المدني، مشيراً إلى أن التعديلات المقترحة تسعى إلى تنظيم هذا الدور في إطار قانوني واضح يضمن قرينة البراءة ويحترم حقوق جميع الأطراف.
وأوضح أن الهدف هو تعزيز فعالية العدالة الجنائية دون تحويلها إلى ساحة لتصفية الحسابات أو إلى منصة للمعارك السياسية المغلفة بالشكايات القضائية.
وأكد الوزير أن المشروع الجديد يندرج في إطار إصلاح شامل لمنظومة العدالة، ويهدف إلى التحديث والتبسيط، من خلال إدخال الرقمنة، وتوسيع العدالة التصالحية، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، إلى جانب مكافحة الجرائم المعقدة كالاتجار بالبشر.
كما أضاف أن المشروع عرف نقاشاً موسعاً داخل لجنة العدل والتشريع، نتج عنه اقتراح أكثر من 1300 تعديل، تم الأخذ بجزء منها ورفض أخرى لدواع تقنية أو قانونية.
وختم وهبي مداخلته بالتنويه بمجهودات البرلمانيين، مؤكداً أن وزارته ستواصل الترافع من أجل هذا المشروع، في إطار رؤية إصلاحية متكاملة تسعى إلى تحقيق عدالة فعالة ومتوازنة.
ودعا إلى تجاوز النقاشات الإيديولوجية والتركيز على المصلحة العامة، مشدداً على أن تحقيق النجاعة القضائية يجب أن يتم بمنأى عن الحسابات السياسية والضغوط الجمعوية.