الدار البيضاء تتجه لإطلاق دفتر تحملات جديد يعيد رسم خريطة النظافة بالمدينة

في لحظة مفصلية من تاريخ تدبير الشأن البيئي بالعاصمة الاقتصادية، تستعد جماعة الدار البيضاء لإحداث قفزة نوعية في قطاع النظافة، عبر اعتماد دفتر تحملات جديد، بعد اقتراب نهاية العقد الموقّع مع شركتي "أرما" و"أفيردا" في يونيو المقبل.
هذا التحول المرتقب يعكس رغبة أكيدة في تجاوز الإشكالات المتراكمة، والانتقال نحو نموذج أكثر نجاعة في التعامل مع النفايات، وتحسين جودة الخدمات لفائدة ساكنة مدينة يناهز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة.
ويأتي هذا التوجه الجديد في سياق وطني ودولي يتسم بتعاظم أهمية البيئة وجودة الحياة في السياسات العمومية، كما يتزامن مع مطالب متزايدة من المواطنين بتحسين ظروف العيش، وتوفير فضاءات نظيفة تحترم الحق في بيئة سليمة.
وفي هذا الإطار، عُقد اجتماع مهم للجنة تتبّع قطاع النظافة بالدار البيضاء يومي 20 و21 ماي الجاري، حيث تم تقديم تقرير لشركة الدار البيضاء للبيئة خلال اجتماع لجنة تتبع عقود التدبير المفوض المتعلق بقطاع النظافة وتدبير النفايات المنزلية والمشابهة لها مع شركة أفيردا، تضمن عرضاً مفصلاً للنقاط الخلافية بين الجماعة والشركات المفوض لها، وكذا مستجدات تنزيل بنود العقود والملاحق التعديلية.
وبينما تشير تصريحات كريم الكلايبي، عضو مجلس المدينة، التي إلى استعداد الجماعة لإطلاق عروض دولية من أجل انتقاء شركات جديدة أكثر قدرة على مواكبة تطلعات البيضاويين، فإن المعطيات الميدانية تكشف عن تحديات متراكمة، أبرزها محدودية الاستثمار، تفاوت مستوى الخدمات بين المقاطعات، إضافة إلى بعض الإشكالات المرتبطة بالرقابة والامتثال لبنود العقود الموقعة.
ومن أبرز الخطوات المنتظرة في الدفتر الجديد، حسب ما توصلت به الجريدة 24، تعزيز شرطة النظافة لتقوم بدور تأديبي وتوعوي يساهم في تقويم سلوك المواطنين تجاه المجال البيئي.
ويرتقب أن تُحدث هذه الشرطة فارقاً في محاربة الممارسات السلبية المنتشرة في المدينة، من قبيل الرمي العشوائي للنفايات وعدم احترام توقيت إخراجها، ما سيؤدي إلى تحسين ملموس في المظهر العام للأحياء والأسواق والفضاءات العمومية.
وتشير التحسينات التقنية المقترحة ضمن الملاحق التعديلية، حسب تقرير شركة كازا للبيئة إلى نية الجماعة دعم الأسطول الحالي بشاحنات ضاغطة إضافية، وتعزيز عمليات غسل الحاويات ومواقعها بشاحنات جديدة مزودة بمنصات للغسل اليدوي، وتعميم غسل محيط الأسواق بشكل أسبوعي على مدار السنة.
كما تم إدراج تنظيف الحدائق العمومية ضمن خدمة الكنس اليدوي، وتعديل مسارات الكنس لتستجيب لحاجيات مناطق بعينها، خاصة تلك التي تعرف كثافة سكانية مرتفعة.
في السياق ذاته، تقرر إدراج ساحات المساجد الكبرى ضمن لائحة الساحات العمومية المستفيدة من الغسل الميكانيكي المنتظم، مع استبدال غسل الطرق بغسل الأرصفة، دون تحميل ميزانية إضافية للمفوض. أما في ما يخص جمع النفايات الخضراء، فتم اقتراح تجهيز جزء من الجرافات بكماشات جانبية، وتنظيم عمليات الجمع حسب برنامج مخصص لكل منطقة، مع مرافقتها بحملات تحسيسية.
على مستوى التدخلات الميدانية، شملت الاستثمارات المقترحة، حسب التقرير المطروح خلال أشغال الندوة تزويد الفرق بدراجات ومكانس كهربائية وسيارات خاصة بالتدخل السريع، إلى جانب توسعة نقاط التجمع وتحسين توزيعها، مع مراعاة خصوصيات كل مقاطعة.
وقد تم حصر برنامج الاستثمارات في حدود الغلاف المالي المتاح دون تحميل المفوض أي أعباء إضافية، في خطوة تعكس محاولة التوفيق بين الفعالية الاقتصادية وتحقيق الأثر البيئي المرجو.
ورغم هذه الجهود، لا تزال بعض النقاط الخلافية بين المفوض والمفوض إليه محل نقاش، أبرزها طريقة احتساب الأجل التعاقدي الخاص بتحويل رسوم المراقبة، حيث تعتبر جماعة الدار البيضاء أن تاريخ التوصل بالمبالغ في حساب الشركة هو المرجع، بينما ترى الشركة المفوض إليها أن إصدار أمر التحويل يكفي قانونياً لإثبات الالتزام، مشيرة إلى أن التأخر البنكي خارج عن إرادتها ولا ينبغي تحميلها تبعاته.
ويُجمع المتتبعون على أن النجاح في تحسين تدبير قطاع النظافة رهين بجاهزية دفتر التحملات المقبل، ومدى تضمينه لآليات دقيقة للرقابة والمساءلة، وأيضاً بمدى انخراط الساكنة في دعم جهود الجماعة عبر احترام قواعد النظافة والفرز والتبليغ عن المخالفات.
واعتبرت الفعاليات المدنية، مرارا أن مدينة بحجم وتنوع الدار البيضاء، لا يمكن أن تحقق حلمها في التحول إلى مدينة نظيفة من دون تعبئة جماعية تشمل الجميع، من الفاعلين المؤسساتيين إلى المواطن العادي.