مجلس الحسابات يفضح أحزابا صرفت أجور مستخدميها دون وثائق قانونية

في سياق تتنامى فيه الدعوات إلى ترسيخ مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، كشف التقرير السنوي الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات حول تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها بخصوص الدعم العمومي لسنة 2023، عن معطيات مثيرة للقلق بشأن طريقة تدبير عدد من الهيئات السياسية المغربية للأموال العمومية المخصصة لها، لاسيما في ما يتعلق بصرف أجور وتعويضات المستخدمين والمساهمات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وبحسب ما ورد في التقرير، تصدّر حزب الاستقلال قائمة الأحزاب التي لم تتمكن من تقديم الوثائق القانونية المثبتة لصرف نفقات مهمة مرتبطة بالموارد البشرية.
وسجل المجلس أن الحزب لم يقدم ما يثبت صرف ما مجموعه 1.884.367,88 درهمًا، وهو ما يمثل نسبة 19,11 في المئة من مجموع النفقات التي صرح بها الحزب في هذا الباب، والتي بلغت إجمالًا 16.338.075,46 درهمًا.
هذا المعطى يضع الحزب، الذي يُعتبر من أعرق التنظيمات السياسية في البلاد، تحت مجهر الانتقادات، خاصة أنه يتواجد في التحالف الحكومي الحالي إلى جانب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، ما يثير تساؤلات حول مدى التزامه بالقواعد القانونية التي تحكم تدبير المال العمومي.
التقرير لم يقتصر على حزب الاستقلال، بل شمل أيضًا خمس أحزاب أخرى سجلت خروقات مماثلة. وحل حزب الحركة الشعبية في المرتبة الثانية، بعدم إثباته لما قيمته 1.013.047,47 درهمًا من نفقات الأجور، أي بنسبة 54,40 في المئة من مجموع نفقاته في هذا الإطار.
كما شملت الملاحظات أحزابًا أخرى مثل الاشتراكي الموحد، الخضر المغربي، حزب العمل، وحزب المجتمع الديمقراطي، لتصل القيمة الإجمالية للنفقات غير المدعمة بوثائق قانونية إلى 3,40 ملايين درهم، ما يمثل 16 في المئة من مجموع ما صُرّح به من طرف هذه الأحزاب، و3,72 في المئة من إجمالي نفقات الأحزاب المغربية مجتمعة.
وأشار التقرير إلى أن مجموع النفقات التي سجل بشأنها المجلس نقائص، بلغ 5,73 ملايين درهم من أصل 91,37 مليون درهم مصرح بها، أي ما يمثل نسبة 6,27 في المئة.
ورغم أن هذه النسبة سجّلت تراجعًا مقارنة بسنة 2022 التي بلغت فيها 26 في المئة، إلا أن استمرار تسجيل مثل هذه الخروقات يُعد مؤشرًا سلبيًا حول التزام عدد من الأحزاب بقواعد الحكامة الجيدة والتدبير المالي الرشيد.
ووفقًا للمعطيات الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، فقد طالت هذه النقائص 17 حزبًا، وتراوحت بين غياب الوثائق القانونية اللازمة لدعم النفقات، أو عدم كفاية تلك الوثائق، ما يعكس خللًا بنيويًا في كيفية صرف الدعم العمومي وتوثيق العمليات المالية المرتبطة به.
ويعيد هذا التقرير إلى الواجهة النقاش حول فعالية منظومة الدعم العمومي الموجه للأحزاب، ومدى التزام هذه الأخيرة بمبادئ الشفافية والمساءلة.
كما يفتح المجال أمام تساؤلات مشروعة بشأن جدوى صرف هذا الدعم في ظل تكرار مظاهر الإخلال بالقواعد المحاسباتية، ما قد يستدعي مراجعة شاملة لمنهجية الدعم وآليات الرقابة المواكبة له.
ويُرتقب أن يثير هذا التقرير تفاعلات قوية في الأوساط السياسية والحقوقية، بالنظر إلى حساسية المعطيات الواردة فيه، ولارتباطها المباشر بصرف المال العام من طرف هيئات يفترض أن تكون في طليعة المدافعين عن الحكامة الجيدة والشفافية في تدبير الشأن العام.