88 غرزة وصرخة واحدة: "حكم مخفف...عنف مضاعف"

الكاتب : الجريدة24

04 يونيو 2025 - 09:30
الخط :

أمينة المستاري

 

من أمام ابتدائية مشرع بلقصيري، ارتفعت صرخة، لم تكن مجرد صوت... كانت زلزالًا. ملامح شوهها العنف بـ 88 غرزة،...تلك كانت خديجة، امرأة اختارت أن لا تسكت على ما تعرضت له.

فالفيديو الذي اجتاح منصات التواصل لم يكن مشهدا عابرا، كانت خديجة قد جرّبت ما لا تجازف نساء كثيرات بتجربته، دخلت المحكمة مطالبة بحقها، شاكية من اعتداء جسدي عنيف شوه وجهها، وزعزع كيانها، وأغرقها في جراح نفسية واجتماعية لا تُرى... لكنها حين سمعت الحكم انهارت أمام عينيها كل توقعاتها بحكم منصف...شهرين كانت بالنسبة لها عنوانا "للخذلان". كانت تدور حول نفسها غير مصدقة، صرخت خديجة بكلمات امتزج فيها الألم بالغضب "شهرين... شهرين".

لم تكن قصة خديجة الوحيدة من نوعها، كانت جزءًا من نهر طويل من الدموع المكبوتة، لنساء وفتيات اختبرن العنف واكتفين بالصمت، لأن التجربة وأرقام المندوبية السامية للتخطيط سنة 2019  أشارت إلى أن 90% من ضحايا العنف لم يُبلّغن، لأن الخوف والهشاشة وانعدام الثقة أقوى من الأمل.

لم تتأخر ردة الفعل على الحكم الصادر في قضية خديجة كمرآة لواقع منقسم، تتصارع فيه مشاعر الغضب والأسى مع دعوات الالتزام بالقانون.

فعلى منصات التواصل، لم يكن الأمر مجرد خبر عابر، عبّر الكثير من النشطاء عن ذهولهم، وصفوا القرار بـ"الحكم المخفف"، واعتبروه إشارة خطيرة إلى تساهل محتمل مع العنف، وجاءت كلماتهم مشحونة بالدعوة إلى مراجعة شاملة لمنظومة العقوبات المرتبطة بالعنف الجسدي، وإلى قانون أكثر صرامة، أكثر رحمة... ولكن بالضحايا.

في الجانب الآخر من المشهد، كان هناك صوت أكثر اتزانًا، أو لِنقُل أكثر تقيُّدًا بما هو مكتوب ومسطّر. رأى بعض المتتبعين أن المحكمة لم تفعل سوى ما تمليه عليها المعطيات التي كانت بين يديها. قرائن، شهادات، مساطر... كلها عوامل شكلت، في نظرهم، أرضية الحكم. وأكدوا أن احترام استقلال القضاء ليس مجرد خيار، بل هو أحد أركان دولة القانون، مع التذكير بأن الطعن في الحكم حق مكفول، وأن الاستئناف هو السبيل إلى إعادة النظر متى توفرت المعطيات الداعمة.

أما المجتمع المدني، فقد خرجت اللجنة الوطنية لمرصد "عيون نسائية" للإعلان عن صدمته من الحكم اعتبر قضية قضية خديجة جرس إنذار لكل من يظن أن العنف ضد النساء مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة.

واعتبر أن الحكم المخفف في حق المعتدي على خديجة يعيد فتح سؤال كبير: هل فعلاً تُفعل التزامات المغرب في مناهضة العنف ضد النساء؟ أين العناية الواجبة؟ أين الحماية والمواكبة والدعم الذي يضمن أن القضاء ليس مجرد إجراء إداري بل سندٌ لنساء هذا الوطن؟.

وأضاف في بلاغ له، أن تبرئة المتهم من جريمة الضرب والجرح بسبب "غياب الشهود" تعكس خللاً عميقًا في الإجراءات القضائية، فهل ننتظر من امرأة معنفة أن تحمل الكاميرا وتأتي بأدلة قبل أن تُصدق؟ أين التدابير الخاصة التي تراعي خصوصية هذه القضايا؟

 عيون نسائية اعتبر أن "صرخة خديجة اأعلنت بالصوت والجسد مقدار الألم والغضب والإحساس بالظلم والغبن الذي تشعر به امرأة معنفة حين تلجأ إلى القضاء، وتتحدى كل الصعوبات التي تمنع النساء من التبليغ عن وقائع العنف، وتقاوم كل الضغوطات والمساومات التي تدفعها إلى التخلي عن حقها في الانتصاف، فتواجه بحكم قضائي مخفف في حق الجاني، يشكل عنفا إضافيا ويكرس في تقديرها تسامحا مع العنف وتكريسا للإفلات من العقاب بل وتشجيعا للمعتدي على التمادي في إلحاق الأذى بالمزيد من النساء ..."

المرصد وصف التشكيك في شخصية خديجة، والطعن في مهنتها وظروفها الاجتماعية، عنف مضاعف يبرر للجاني ويحمّل الضحية وزر ما تعرضت له، في انتكاسة واضحة لحقوق النسا، فهو أمر مرفوض ويدعو إلى الاستنكار، لأنه يعكس تمييزا صارخا بين النساء وضدهن، ويبرر للعنف بل ويشجع عليه.

المرصد أكد أن صرخة خديجة هي دعوة للاستيقاظ، لكل الأطراف المعنية بمناهضة العنف، فهي تطلب دعمًا حقيقيًا خلال مرحلة الاستئناف، وأن القضية تؤكد ضرورة مراجعة القانون 103-13، وضرورة خلق مساطر خاصة تراعي حساسية قضايا العنف، وتكوين قضاة وقاضيات على دراية حقيقية بخلفيات هذا النوع من الجرائم.

وأكد المرصد أن مناهضة العنف ضد النساء ليست مهمة جمعيات نسائية فقط، بل هي تحدٍ جماعي، يحتاج إلى جرأة في مواجهة العقليات النمطية والتصدي لها وللأحكام المسبقة التي تحول المعنفات إلى متهمات، وإلى قرارات لا تهادن في حماية النساء

آخر الأخبار