صمت حكومي يثير الجدل.. آلاف الأسئلة البرلمانية بلا أجوبة

في وقت يفترض فيه أن تشكل جلسات الأسئلة الشفهية صمام أمان لممارسة الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، تكشف الأرقام الرسمية واقعا مغايرا يعكس خللا عميقا في آليات المساءلة داخل المؤسسة التشريعية المغربية.
فمنذ انطلاق الولاية التشريعية الحالية، وجّه أعضاء مجلس النواب ما مجموعه 14.874 سؤالاً شفهياً إلى مختلف القطاعات الحكومية، غير أن الحصيلة الفعلية لأجوبة السلطة التنفيذية لم تتجاوز 2.976 جواباً، أي ما يمثل فقط 20 في المئة من مجموع الأسئلة، وهو رقم صادم يطرح أكثر من علامة استفهام حول فعالية التواصل بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية.
هذا الوضع لا يختزل في صمت الحكومة أو بطء تفاعلها فحسب، بل يتقاطع أيضاً مع اختلالات بنيوية تضعف من جدوى هذه الأداة الرقابية.
فالنظام الداخلي لمجلس النواب، رغم ما يحمله من نوايا تنظيمية، يفرض سقفاً زمنياً محدداً لكل فريق برلماني خلال الجلسات الأسبوعية، ما يُقلص من عدد الأسئلة التي يمكن التطرق إليها في كل جلسة، ويؤدي تدريجياً إلى تراكم كمٍّ هائل من الأسئلة المؤجلة أو غير المدرجة ضمن جدول الأعمال، وهو ما يعطل المفعول الحقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تعمّق ظاهرة غياب عدد من الوزراء عن جلسات البرلمان من هوة انعدام التفاعل، حيث تتحول الجلسات الأسبوعية في أحيان كثيرة إلى فضاء شكلي، يغيب فيه العمق السياسي ولا يُسائل فيه الأداء الحكومي بجدية أو مهنية.
وتزيد هذه الظاهرة من حدة التوتر بين الفرق البرلمانية والحكومة، خاصة عندما تتعلق الأسئلة بملفات حيوية تمس بشكل مباشر مصالح المواطنين، من قبيل الصحة والتعليم والتشغيل وغلاء المعيشة.
وعلى هذا الأساس، لم تتردد فرق المعارضة مرارا في التعبير عن استيائها العميق من تعاطي الحكومة مع الأسئلة الشفهية والكتابية على حد سواء، معتبرة أن تجاهل الجهاز التنفيذي لتساؤلات النواب، خاصة تلك التي تلامس انشغالات الشارع، لا يخدم مبدأ الشفافية ولا يعزز منسوب الثقة بين المواطن والمؤسسات.
وحذّر نواب المعارضة من أن استمرار هذا النهج من شأنه أن يُضعف صورة الحكومة أمام الرأي العام، ويمنح الانطباع بأنها غير معنية بالحوار المؤسساتي، أو أن الأولويات التي تشغل المواطن ليست على رأس جدول أعمالها.
الأرقام الخاصة بتفاعل الحكومة مع الأسئلة الموجهة من مختلف الفرق البرلمانية تكشف بدورها حجم التفاوت في مستوى التجاوب. فقد تقدم الفريق الاشتراكي بـ 2098 سؤالاً شفهياً، تلقت الحكومة أجوبة عن 346 منها فقط. أما فريق الأصالة والمعاصرة، وهو من أكبر الفرق عدداً، فقد وجّه 5554 سؤالاً، ولم يتلق سوى 618 جواباً، أي ما يقل عن 12%.
الفريق الحركي طرح 908 سؤالاً، أجيبت منها 232 فقط، بينما وجه الفريق الدستوري 321 سؤالاً شفهياً، تلقت الحكومة أجوبة على 163 منها..
أما فريق التقدم والاشتراكية، فقد طرح 988 سؤالاً وتلقى 229 جواباً، فيما تقدّمت مجموعة العدالة والتنمية بـ 693 سؤالاً شفهياً، وحصلت على 110 أجوبة فقط.
ويعكس توزيع الأرقام بهذا الشكل، التفاوت لا فقط في حجم الأسئلة المطروحة من كل فريق، بل أيضاً في درجة استجابة الحكومة، التي لم تحافظ على وتيرة ثابتة في التعامل مع جميع المكونات البرلمانية، ما يزيد من الشعور بغياب عدالة مؤسساتية في التفاعل مع الأصوات المنتخبة.
في ظل هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة لإعادة تقييم آليات المساءلة البرلمانية وتحديث أدواتها، بما يضمن فعالية أكبر ووضوحاً في الأدوار، سواء من جانب الحكومة أو الفرق النيابية.