الطرق السيارة تستعد لمحطات شحن كهربائية.. والبرلمان يدعو لتوزيع عادل يشمل كل الجهات

في ظل التحولات العالمية المتسارعة في قطاع صناعة السيارات، يواصل المغرب ترسيخ موقعه كفاعل صناعي صاعد في مجال السيارات الكهربائية، مستنداً إلى استراتيجية وطنية يقودها الملك محمد السادس، تستند إلى الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة ودمج الابتكار ضمن سلاسل الإنتاج.
وفي سياق هذه الدينامية، تتجه المملكة إلى تعزيز بنيتها التحتية الخاصة بشحن السيارات الكهربائية، لاسيما على مستوى الطرق السيارة، في خطوة تهدف إلى دعم التنقل المستدام ومواكبة الانتقال الطاقي على الصعيد الوطني والدولي.
وأعلنت الشركة الوطنية للطرق السيارة عن مشروع لتوسيع شبكة محطات شحن السيارات الكهربائية، في أفق استقبال الزوار المرتقبين خلال تنظيم المغرب لكأس العالم لكرة القدم 2030، وذلك في إطار رؤية وطنية تروم تعزيز الحركية النظيفة وضمان جاهزية البنية التحتية لتلبية الطلب المتزايد على وسائل النقل الكهربائية.
المشروع أثار نقاشاً داخل المؤسسة التشريعية، حيث وجهت النائبة البرلمانية عن حزب الحركة الشعبية، عزيزة بوجريدة، سؤالاً كتابياً إلى وزارة النقل واللوجستيك، استفسرت فيه عن طبيعة البرنامج المعتمد لتوسيع شبكة محطات الشحن، ومدى شمولية هذه الخطة لكافة جهات المملكة، وليس فقط المحاور الطرقية الكبرى.
كما تساءلت البرلمانية ذاتها عن جاهزية المنظومة الطاقية لمواكبة هذا التوسع، في ظل الارتفاع المرتقب لعدد السيارات الكهربائية خلال السنوات القادمة.
ويأتي هذا التوجه في وقت يعرف فيه قطاع صناعة السيارات الكهربائية بالمغرب طفرة نوعية، حيث أعلن وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، أن القدرة الإنتاجية للسيارات الكهربائية سترتفع إلى 107 آلاف وحدة بحلول نهاية سنة 2025، مقابل 70 ألف وحدة في الوقت الراهن، في حين من المتوقع أن يبلغ الإنتاج الإجمالي للسيارات مليون وحدة مع نهاية السنة الجارية.
وشدد المسؤول الحكومي على أن هذا التطور لا يعزى فقط إلى انخفاض تكلفة اليد العاملة، بل يعود أساساً إلى الاستثمار في التكنولوجيا والتجديد الصناعي، بما يعزز تموقع المغرب في سلاسل القيمة العالمية.
كما أكد الوزير أن المملكة بصدد بناء منظومة متكاملة لإنتاج البطاريات، انطلاقاً من المواد الخام وصولاً إلى تصنيع الخلايا، حيث يُنتظر إنتاج أول خلية بطارية مغربية في يونيو 2026، بعد الشروع منذ أشهر في تصدير المواد الأولية.
وفي خطوة وُصفت بالاستراتيجية، شرعت مجموعة "غوشن هاي تيك" الصينية الأوروبية في إنشاء أول مصنع ضخم لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بإفريقيا، عبر فرعها المحلي "غوشن باور المغرب"، الذي بدأ الإجراءات التقنية والهندسية لبناء المشروع قرب مدينة القنيطرة.
وتبلغ الكلفة الاستثمارية الإجمالية لهذا المشروع 6.5 مليارات دولار، موزعة على عدة مراحل، على أن يبدأ الإنتاج الفعلي خلال الربع الثالث من عام 2026، بطاقة أولية تصل إلى 20 غيغاواط، قابلة للرفع إلى 40 غيغاواط لاحقاً.
ويمتد المشروع ليشمل تصنيع مكونات البطاريات مثل الكاثود والأنود، مع تخصيص نسبة هامة من الإنتاج للتصدير نحو السوق الأوروبية، التي بدأت شركاتها بالفعل في تقديم طلبات توريد، بحسب ما أكده المدير المحلي للمجموعة في تصريحات إعلامية.
ويُرتقب أن يسهم هذا الاستثمار في تعزيز تنافسية المغرب، الذي أصبح يُنظر إليه كشريك صناعي بديل عن بعض الأسواق الآسيوية، خاصة في ظل فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية إضافية على السيارات الكهربائية الصينية.
وتكشف تقارير دولية، من بينها تقارير إعلامية إسبانية، أن المغرب لم يعد يُعتبر مجرد مركز تصنيع خارجي، بل بات يُصنَّف منافساً مباشراً لعدد من الدول الأوروبية في مجال تصنيع السيارات.
وتشير بعض التقديرات إلى إمكانية تفوق المملكة على إيطاليا في حجم الإنتاج بحلول عام 2028، مع إمكانية معادلة فرنسا في بعض مؤشرات التصنيع، مما يضع المغرب في موقع متقدم داخل السوق الأوروبية المجاورة.
وتعزز هذه الدينامية موقع المغرب كمركز صناعي إقليمي، مستفيداً من تكاليف إنتاج تنافسية، وبنية لوجستية متقدمة، وموقع جغرافي استراتيجي يُمكنه من الربط السلس مع الأسواق الأوروبية، عبر اتفاقيات تبادل حر واتفاقيات شراكة موقعة مع الاتحاد الأوروبي.
ويأتي هذا في وقت تشير فيه بيانات الوكالة الدولية للطاقة إلى مساهمة المغرب، إلى جانب مصر، في تحقيق طفرة في مبيعات السيارات الكهربائية بالقارة الإفريقية، حيث بلغت 11 ألف وحدة خلال سنة 2024، وهو رقم لا يزال ضعيفاً لكنه يعكس بداية تحول ملحوظ.
وفي ظل هذا المسار التصاعدي، يُنتظر أن تُشكّل محطات شحن السيارات الكهربائية محوراً استراتيجياً في السياسة العمومية، سواء على مستوى الانتقال الطاقي أو على مستوى جاهزية البنية التحتية لتنظيم تظاهرات كبرى مثل كأس العالم 2030.
ومع تسارع الاستثمارات الصناعية والتحولات الجيو-اقتصادية الإقليمية، تتجه الأنظار إلى المغرب ليس فقط كبلد مستضيف أو مصنع، بل كشريك صناعي متكامل قادر على التأثير في معادلات المستقبل.