هل يشكل المغرب مستقبل القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا؟

الكاتب : انس شريد

10 يونيو 2025 - 10:30
الخط :

في خطوة تحمل دلالات استراتيجية عميقة، وتتجاوز الطابع العسكري البحت، أبدى الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، دعمه لفكرة نقل مقر القيادة من مدينة شتوتغارت الألمانية إلى المغرب، في تحول محتمل من شأنه إعادة رسم ملامح الحضور العسكري الأمريكي بالقارة الإفريقية وتعزيز موقع المغرب كفاعل إقليمي وازن.

هذا الموقف، الذي عبّر عنه لانغلي خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون العسكرية في الكونغرس الأمريكي، يعكس التغير التدريجي في أولويات التمركز العسكري للولايات المتحدة في إفريقيا، ويرتبط بسياق جيوسياسي أوسع يشهد تزايد التحديات الأمنية وتنامي تنافس النفوذ بين القوى الكبرى بالقارة السمراء.

وخلال هذه الجلسة، طرح أحد أعضاء الكونغرس سؤالًا مباشراً على الجنرال لانغلي حول مدى واقعية نقل مقر "أفريكوم" من ألمانيا إلى بلد إفريقي شريك مثل المغرب.

فأجاب لانغلي بأنه يرى في الفكرة خيارًا جديًا يستحق النظر، مشيرًا في المقابل إلى أن التكاليف المترتبة عن مثل هذه الخطوة تبقى من بين العوائق الرئيسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار.

ويُعد المغرب، بحسب لانغلي، شريكًا موثوقًا يلعب دورًا محورياً في حفظ الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، مشيدًا بجهود المملكة في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، من إرهاب وتهريب وهجرة غير نظامية، فضلًا عن التزامها الدائم بمبادئ التعاون الأمني متعدد الأطراف.

منذ تأسيسها سنة 2007، تتخذ قيادة "أفريكوم" من ألمانيا مقرًا لها، وذلك لأسباب تتعلق بالبنية التحتية المتطورة والاستقرار السياسي في القارة الأوروبية.

غير أن أصواتًا داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية باتت تنادي بنقل المقر إلى إفريقيا نفسها، لجعل القيادة أقرب إلى ميدان العمليات وتسهيل التواصل والتنسيق مع الدول الشريكة في القارة.

وتُعد مدينة القنيطرة، وفقا لما أكدته الصحافة الاسبانية في وقت سابق، من بين أبرز المواقع المرشحة لاستضافة المقر الجديد، نظرًا لما تتوفر عليه من بنية تحتية عسكرية متقدمة ولقربها من قاعدة "الساخنة" الجوية وموانئ بحرية استراتيجية.

ويُشار إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان قد عبّر عن رغبته في نقل مقر "أفريكوم" إلى إفريقيا خلال ولايته الأولى، معتبرًا أن استمراره في ألمانيا لا يخدم المصالح العملياتية للولايات المتحدة، وأن وجود القيادة على أرض القارة سيكون أكثر فاعلية في التعاطي مع التحديات الأمنية المتصاعدة.

وتعكس الشراكة العسكرية بين المغرب والولايات المتحدة عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، والتي تترسخ عامًا بعد آخر من خلال التعاون في مجالات التدريب والاستخبارات واللوجستيك، لاسيما في إطار مناورات "الأسد الإفريقي" السنوية، التي تُعد من أكبر التدريبات متعددة الجنسيات في القارة، وتشارك فيها جيوش من أوروبا وإفريقيا وأمريكا.

وتُبرز هذه المناورات، التي يحتضنها المغرب بانتظام، مكانة المملكة كحليف رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل كذلك على المستوى الدبلوماسي، خاصة في ظل استمرار دعم واشنطن لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، واعترافها الرسمي بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية.

ويأتي هذا التوجه الجديد في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة تشهدها إفريقيا، حيث تتزايد التحديات الأمنية في منطقة الساحل والقرن الإفريقي، إلى جانب تنامي الحضور الروسي والصيني، ما يدفع الولايات المتحدة إلى مراجعة إستراتيجيتها في القارة وتحديث أدوات تدخلها وتنسيقها مع الحلفاء الإقليميين.

ورغم أن قرار نقل مقر "أفريكوم" لم يُحسم بعد، فإن مجرد طرحه للنقاش على مستوى الكونغرس يُمثل مؤشراً قوياً على التحولات المقبلة في المقاربة الأمريكية تجاه القارة الإفريقية، ويعزز في الوقت ذاته مكانة المغرب كرقم صعب في معادلات الأمن الإقليمي والدولي.

آخر الأخبار