في وقت تتسارع فيه خطوات الرقمنة داخل الإدارة المغربية، حذر وسيط المملكة، حسن طارق، من مخاطر الركون إلى "الانبهار التقني" على حساب القيم الجوهرية للمرفق العمومي.
ودعا وسيط المملكة إلى يقظة مؤسساتية وأخلاقية في التعامل مع الذكاء الاصطناعي.
وأكد طارق، في كلمة ألقاها خلال افتتاح يوم دراسي حول "دور وسيط المملكة بين تجويد الخدمات الإدارية ومعالجة اختلالات الحكامة"، أن الإدارة الرقمية، رغم إمكاناتها الهائلة في تبسيط الإجراءات وتقليص الزمن الإداري، قد تطرح إشكالات معقدة تمس جوهر العدالة والإنصاف، لاسيما عندما تستعمل خوارزميات غير خاضعة لمساءلة كبدائل عن القرار البشري.
وأشار إلى أن مؤسسات الوساطة، سواء في المغرب أو في التجارب المقارنة، باتت تواجه أنماطًا جديدة من التظلمات المرتبطة بالتحول الرقمي، ما يفرض إعادة النظر في تعريف المرفق العمومي ذاته، الذي ينتقل، بحسب تعبيره، من منطق عمودي تقليدي إلى هندسة شبكية تقوم على النجاعة والتفاعل، لا فقط على المشروعية والتراتبية.
ولم يخف وسيط المملكة قلقه من غياب التوازن بين الكفاءة الرقمية المتقدمة لبعض المنصات الإدارية، وبين الحاجة الإنسانية للإنصاف، معتبرا أن البرمجة الآلية، مهما بلغت من تطور، تبقى عاجزة عن استيعاب الحالات التي يتسبب فيها التطبيق الحرفي للقانون في ظلم ملموس، وهو ما يستدعي دائما "عينا بشرية" قادرة على قراءة السياقات الإنسانية.
اليوم الدراسي، المنظم بشراكة مع مختبر الأبحاث حول الانتقال الديمقراطي المقارن بجامعة الحسن الأول بسطات، شكل مناسبة لطرح قضايا استراتيجية ترتبط بالحكامة الإدارية، من بينها، اختلالات الطلبيات العمومية، وتعقيدات التعمير، وإشكاليات الإعلام، في ضوء ما كشفته تقارير مؤسسة الوسيط لسنوات 2020 إلى 2024.
وشهد اللقاء جلسات علمية تطرقت إلى دور اللجنة الوطنية في حل نزاعات الصفقات، والتحديات المرتبطة بمبدأ المنافسة في الطلبيات العمومية، فضلا عن أدوات الوساطة والتواصل كآليات لتدبير الأزمات وتحسين العلاقة بين المواطن والإدارة.
ويأتي هذا اللقاء في سياق تنامي الانتقادات الموجهة لبعض الإدارات التي تعتمد برامج المحادثة الآلية في تواصلها مع المرتفقين، والتي، رغم كفاءتها التقنية، غالبا ما تعجز عن مواكبة خصوصيات الحالات الإنسانية والاجتماعية، مما يفتح الباب أمام مؤسسة الوسيط للتدخل، بوصفها ضامنًا لروح العدالة، وليس فقط لحرفية القانون.