الدار البيضاء تطوي صفحة "شيخ الكاريانات".. دوار بيه يسقط تحت الجرافات

الكاتب : انس شريد

20 يونيو 2025 - 06:30
الخط :

تعيش مدينة الدار البيضاء على وقع مرحلة مفصلية في مسار محاربة السكن العشوائي، بعد انطلاق أكبر عملية هدم لحي صفيحي خلال السنة الجارية، في منطقة عين السبع، حيث شرعت السلطات المحلية في تفكيك دوار "بيه"، أحد أقدم الأحياء العشوائية بالعاصمة الاقتصادية، والذي يمتد تاريخه لأكثر من 130 سنة.

وتأتي الخطوة ضمن الورش الوطني لإعادة تأهيل النسيج الحضري، وتندرج في إطار التزامات المملكة لتوفير سكن لائق وضمان كرامة المواطنين، تزامنًا مع الاستعدادات لاحتضان مباريات كأس العالم 2030.

المشهد الذي شهدته المنطقة صباح الجمعة 20 يونيو 2025 لم يكن عاديًا، فبين الجرافات التي بدأت تقتلع جذور البيوت الصفيحية، وتحركات أعوان السلطة وفرق التدخل، ساد شعور مزدوج بين الحنين والارتياح، بين من ودّع ماضيًا من المعاناة وبين من يترقب مستقبلاً مجهول المعالم.

دوار بيه، أو ما يُعرف بـ"شيخ الكاريانات"، ظل لسنوات طويلة عنوانًا بارزًا للهشاشة الاجتماعية ومظهرًا من مظاهر الإقصاء العمراني، لكنه اليوم يُطوى من ذاكرة المدينة.

وتهدف العملية التي باشرتها السلطات إلى إخلاء وهدم ما يقارب 500 سكن صفيحي في مرحلتها الأولى، ضمن مشروع يمتد إلى غاية 2027 ويشمل إعادة إسكان آلاف الأسر في شقق سكنية لائقة.

وتشمل التدخلات الجارية تفكيك العدادات، نقل الأثاث والممتلكات، وتقديم مواكبة لوجستيكية للأسر المعنية.

هذه الإجراءات جاءت بعد اجتماعات تشاورية مكثفة بين ممثلي الساكنة والسلطات، على رأسها عامل عمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي، لتدارك التأخر الذي لحق عملية الهدم، والتي كانت مبرمجة منذ مارس الماضي.

وفي تصريح توصلت به "الجريدة 24"، قال كريم الكلايبي، النائب الأول لرئيس مقاطعة عين السبع، إنّ عملية هدم دور الصفيح بدوار بيه ليست مجرد إزالة لبنايات عشوائية، بل هي هدم لرمز من رموز المعاناة، وإزالة لعائق كبير أمام التنمية المحلية.

وأكد الكلايبي أن هذا الحدث يشكل انطلاقة لعصر جديد من الكرامة والعيش الكريم لسكان المنطقة، مشيدًا في الوقت ذاته بالجهود التي بذلتها عمالة المقاطعة في شخص عاملها، وكل المتدخلين الذين ساهموا في إنجاح العملية.

وأضاف المتحدث: "نناشد كافة مكونات المقاطعة وجماعة الدار البيضاء مواكبة هذا الحدث التاريخي، وتقديم الدعم اللازم للسكان خلال هذه المرحلة الانتقالية، لأن هدفنا المشترك هو بناء مدينة حديثة، تحفظ هويتها وتكرّس مبادئ التضامن والعدالة الاجتماعية".

رغم أن هذه التدخلات تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان من خلال منحهم شققًا في مجمعات سكنية مهيكلة، إلا أن تنفيذها يواجه بعض التحديات، أبرزها مخاوف السكان من عدم تحقيق وعود الاستفادة بشكل عادل ومنصف.

ويمثل هذا البرنامج استثمارًا ضخماً، إذ رُصدت له ميزانية تقارب 18.6 مليار درهم، بمساهمة من مجلس جهة الدار البيضاء-سطات ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة إعداد التراب الوطني، إلى جانب مساهمات المستفيدين أنفسهم.

وتعكس هذه الأرقام حجم الجهود المبذولة لإنهاء أزمة السكن العشوائي، خاصة وأن الدار البيضاء تحتضن وحدها نحو 63% من إجمالي سكان دور الصفيح على المستوى الوطني، وفق تصريحات رسمية سابقة لوزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير، فاطمة الزهراء المنصوري.

ومع استمرار عمليات الهدم والترحيل، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان التنفيذ العادل لهذا المشروع، وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع الفئات المتضررة، حتى يصبح هذا التحول الحضري نموذجًا ناجحًا يعكس الوجه الحديث للدار البيضاء.

آخر الأخبار