هل تمنع تقلبات الحرب وقرارات ترامب بنك المغرب من خفض سعر الفائدة؟

وسط مشهد دولي متقلب وغير مستقر، طغى عليه تصاعد التوترات الجيوسياسية والتقلبات الاقتصادية، اختار بنك المغرب الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، وذلك في ظل ما وصفه والي البنك عبد اللطيف الجواهري بعدم اليقين العالمي، وصعوبة التنبؤ بالتحولات الجارية وتأثيراتها المحتملة على الاقتصاد الوطني.
وقدم الجواهري، وخلال ندوة صحفية أعقبت الاجتماع الثاني لمجلس بنك المغرب برسم سنة 2025، توضيحات دقيقة حول خلفيات القرار، مستعرضًا جملة من المعطيات الخارجية التي أثرت على موقف المؤسسة النقدية في هذه الظرفية الدقيقة.
وأشار الجواهري إلى أن الوضع الدولي يشهد تحولات متسارعة، خاصة مع تطورات الحرب بين إيران وإسرائيل، التي قال إنها تعكس مدى الهشاشة التي تحيط بالمعطيات المؤثرة في القرار الاقتصادي.
وأوضح أنه تابع صباح يوم انعقاد المجلس تصريحات تشير إلى تهدئة محتملة، غير أنه فوجئ بعدها بساعات بأخبار عن قصف جديد، في ما وصفه بـ"حرب البلاغات" و"الأخبار المتضاربة" التي تعمق حالة الغموض، وتجعل من الصعب بناء تصورات واضحة حول مستقبل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية.
وفي معرض حديثه عن الموقف الأمريكي، قال الجواهري إن المواقف الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتسم بعدم الاستقرار والتناقض، ما يضع صناع القرار الاقتصادي في مواجهة مستمرة مع متغيرات مفاجئة وغير متوقعة.
وخصّ بالذكر ملف الرسوم الجمركية المفروضة على المغرب، مشيرًا إلى أن النقاش مع الإدارة الأمريكية لم يُحسم بعد، رغم وجود اتفاقية للتبادل الحر تجمع البلدين.
مبرزًا أن واشنطن ما تزال تتعامل بمنطق ثنائي مع الدول، وأن الرباط تنتظر مآل هذا المسار التفاوضي.
وتابع أن المواقف الأمريكية بخصوص التجارة والضرائب تعرف تغيرات مفاجئة، مشيرًا إلى أن تصريحات ترامب سرعان ما تُمحى بتصريحات أخرى، في ما يشبه "آيات الليل تمحوها آيات النهار والعكس صحيح".
وشد الجواهري، على أن بنك المغرب يتعامل مع هذه التحديات بكثير من الحذر والتأني، مؤكدًا أن المؤسسة النقدية تتشاور شهريًا مع أعضاء المجلس وتحتفظ بإمكانية اتخاذ قرار استثنائي في أي لحظة إذا اقتضت التطورات، دون انتظار المواعيد الفصلية المحددة.
كما أشار إلى أن البنك سبق له أن خفّض السعر المديري للفائدة ثلاث مرات متتالية، آخرها في مارس، إلا أن انعكاسات هذه الخطوة لم تظهر بعد بشكل واضح على مستوى القطاع البنكي أو على سلوك الزبناء.
وفي خضم هذا السياق الدولي الحرج، لم يغفل الجواهري الحديث عن المؤسسات الأخرى، إذ انتقد بشكل ضمني تدخلات ترامب في السياسة النقدية الأمريكية، قائلاً إن الرئيس لم يتردد في مهاجمة البنك الفيدرالي علنًا واتهامه بعدم الفهم، غير أن الأخير حافظ على استقلاليته وأبقى على موقفه.
وأضاف أن البنك المركزي لا يتلقى "الوحي"، ويجب أن يتحلى بالتواضع ويعتمد على معطيات علمية ومنهجية لاتخاذ قراراته، في إشارة إلى أهمية التشاور والتنسيق بين المؤسسات.
وفي هذا الإطار، كشف عن مراسلات رسمية وجهها إلى وزارة المالية ووزارة الصناعة والتجارة ومكتب الصرف من أجل ضمان تنسيق أوثق وتبادل دقيق للمعطيات، بما يمكن من اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر استباقية ومبنية على أسس واقعية.
وبالرغم من تعقيد المشهد الخارجي، أكد والي بنك المغرب أن المؤسسة تشتغل بشكل متواصل على تحليل التوازنات الدولية ورصد آثارها الممكنة على الاقتصاد الوطني، مشددًا على أن اتخاذ القرار الصائب يتطلب قراءة دقيقة لكل المؤشرات، في وقت يزداد فيه التقلب والغموض، ويصعب معه التنبؤ بالوجهة المقبلة للأسواق العالمية أو لمواقف القوى الكبرى.
وختم الجواهري مداخلته بالتأكيد على ضرورة الحفاظ على الحذر والمرونة في التعاطي مع كل التطورات، معتبرًا أن التسرع أو الافتراضات المسبقة قد تكون أكثر ضررًا من الانتظار والتحليل العميق.
وسبق أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على معظم دول العالم ومنها المغرب.
وتراوحت الرسوم المفروضة بين 10% و41% على الدول العربية، حيث تصدرت سوريا القائمة بأعلى نسبة، في حين حصلت دول أخرى مثل المغرب ومصر والسعودية على الحد الأدنى.