أخنوش في قلب العاصفة البرلمانية.. والمعارضة تلوح بالتحكيم الملكي

الكاتب : انس شريد

30 يونيو 2025 - 07:30
الخط :

تشهد المؤسسة التشريعية بالمغرب توترًا متصاعدًا على خلفية تكرار غياب رئيس الحكومة وعدد من الوزراء عن جلسات المساءلة البرلمانية، حيث فجّر هذا الغياب احتجاجات قوية خلال جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، ليصل الأمر حدّ تلويح بعض فرق المعارضة باللجوء إلى الملك محمد السادس قصد التحكيم في هذه الأزمة المؤسسية المتفاقمة.

وشهدت الجلسة الأخيرة، المنعقدة يوم الإثنين، تقديم سلسلة من نقط النظام من طرف نواب المعارضة الذين عبروا عن استيائهم البالغ مما وصفوه بـ"الاستخفاف بالدستور" و"الإهانة الصريحة لمؤسسة البرلمان".

واعتبر المتدخلون أن غياب رئيس الحكومة عزيز أخنوش عن جلسات المساءلة الشهرية، إلى جانب الغياب المتكرر لعدد من الوزراء عن الجلسات الأسبوعية، لا يمكن اعتباره مجرد تقصير عابر، بل هو توجه ثابت يمس بجوهر العمل الرقابي الذي يعد من صميم اختصاصات المؤسسة التشريعية.

ووفق المعطيات التي قدمها النواب خلال الجلسة، فإن رئيس الحكومة لم يحضر سوى جلسة واحدة خلال الدورة التشريعية الحالية، في حين لم يتم عقد سوى 15 جلسة من أصل 32 جلسة برمجت لمساءلة رئيس الحكومة منذ انطلاق الولاية التشريعية، أي بنسبة حضور لا تتعدى 48 في المائة.

وهو ما دفع برئيس الفريق الحركي، إدريس السنتيسي، إلى التحذير من تدهور العلاقة المؤسساتية بين الحكومة والبرلمان، مقترحًا إعادة النظر في برمجة هذه الجلسات لتشمل باقي أيام الأسبوع بدل الاكتفاء بيوم الإثنين.

من جهته، عبر رئيس لجنة العدل والتشريع، سعيد بعزيز، عن أسفه الشديد لغياب رئيس الحكومة بشكل شبه دائم عن الجلسات الشهرية، معتبرا أن تكرار هذا الغياب يضرب في العمق الدور الرقابي الموكول للبرلمان، ويبعث برسائل سلبية إلى الرأي العام حول احترام مؤسسات الدولة.

كما شدد عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، على أن الحكومة تخرق الفصل 100 من الدستور بشكل صريح، مشيرًا إلى أن آخر حضور لرئيس الحكومة يعود إلى 19 ماي المنصرم، في حين لم تتجاوز نسبة حضوره العامة 40 في المائة، بحضوره 28 جلسة فقط من أصل 64.

وتعزز هذا الموقف بتحذير بوانو من أن الغياب المتكرر لرئيس الحكومة وأعضائها يكرس صورة سلبية عن العمل السياسي والمؤسساتي، داعيًا مكتب مجلس النواب إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات تصحيحية، ومعلنًا صراحة أن التوجه نحو التحكيم الملكي بات خيارًا مطروحًا أمام فرق المعارضة إذا ما استمر هذا الوضع على حاله.

وفي خضم هذا الجدل المحتدم، حاول الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، تهدئة الأجواء، مؤكدا أن غياب رئيس الحكومة عن جلسة الإثنين جاء بسبب مهمة رسمية خارج الوطن، حيث مثّل المملكة في نشاط رفيع المستوى بإسبانيا.

ومشددا على أن رئيس الحكومة يولي أهمية قصوى لحضوره داخل المؤسسة التشريعية، وتم الاتفاق مع مكتب المجلس على عقد الجلسة في الأسبوع المقبل.

وتبنى رئيس الجلسة، إدريس الشطيبي، الموقف ذاته، موضحًا أن غياب رئيس الحكومة لا يعكس تهاونا بل سببه التزامات رسمية خارجية.

داعيًا جميع الفرق، أغلبية ومعارضة، إلى الضغط المشترك من أجل ضمان احترام الحكومة لمواعيد جلسات المساءلة، واصفًا غياب الوزراء بأنه "تحقير صريح" للسلطة التشريعية.

إلا أن هذه التوضيحات لم تقنع رؤساء الفرق النيابية، حيث أكد عبد الله بوانو أن تقرير مكتب المجلس المؤرخ في 24 يونيو لا يتضمن أي إشارة إلى غياب رئيس الحكومة، ولم تتم مناقشة الجلسة الشهرية بشكل مسبق مع رؤساء الفرق، ما اعتبره دليلاً على غياب التنسيق واحترام الأعراف البرلمانية المتعارف عليها.

وانضم رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، بدوره إلى جبهة الانتقادات، مؤكدًا أن الحضور البرلماني لرئيس الحكومة لا يجب حصره في يوم الإثنين، داعيًا إلى توسيع النقاش حول هذه المعضلة المؤسساتية بدل اختزاله في اعتذارات ظرفية.

كما لم يخف المتحدث استياءه من استمرار بعض الوزراء في المشاركة في أنشطة حزبية نهاية الأسبوع ثم التغيب غير المبرر عن جلسات البرلمان في بداية الأسبوع، معتبرا أن مثل هذه السلوكات تساهم بشكل مباشر في تعميق الهوة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وتغذي ظاهرة العزوف السياسي التي تعاني منها البلاد.

وتوحدت أصوات المعارضة في التشديد على أن غياب الحكومة عن الجلسات البرلمانية لا يعد مجرد خلل إجرائي، بل يمثل خطرًا حقيقيًا على التوازن المؤسساتي والشرعية الدستورية، مطالبين الحكومة بالانضباط التام للقواعد الدستورية، واحترام التزاماتها الدورية أمام البرلمان، وإلا فإن اللجوء إلى التحكيم الملكي سيظل خيارًا مفتوحًا في مواجهة هذا التعثر المؤسساتي المتواصل.

آخر الأخبار