المنقطعون عن الدراسة.. هل أصبحوا وقود الشغب في الملاعب المغربية؟

الكاتب : انس شريد

30 يونيو 2025 - 09:30
الخط :

تشهد الملاعب المغربية، منذ سنوات، تناميًا مقلقًا في ظاهرة الشغب الرياضي، والتي لم تعد تقتصر على المدرجات أو لحظات التوتر خلال المباريات، بل تجاوزت أسوار الملاعب لتتسلل إلى الأحياء المجاورة، وتتحول إلى مشاهد عنف وتخريب تُربك الأمن العام، وتُثير القلق في الأوساط السياسية والأمنية والرياضية على حد سواء.

هذا التصاعد الخطير دفع إلى طرح تساؤلات جوهرية حول قدرة الدولة على التصدي لظاهرة باتت تمس هيبة المؤسسات وتتهدد النموذج التنموي والاجتماعي، خاصة في أفق الاستحقاقات الكبرى التي تستعد المملكة لتنظيمها، على رأسها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.

وتشير الوقائع الميدانية إلى أن فئة القاصرين تتصدر غالبًا مشاهد الشغب، حيث ينخرط مراهقون في أعمال عنف جماعية، تتراوح بين تبادل الرشق بالحجارة والتخريب المتعمد للممتلكات العامة والخاصة، في سلوك يوصف بأنه تفريغ عدواني لشحنات نفسية مكبوتة في غياب التأطير الأسري والتربوي.

وتتكرّر هذه الظاهرة عقب عدد من المباريات المصنّفة ضمن "المباريات الحامية"، دون أن تنجح التدابير الردعية التقليدية، من اعتقالات وإدانات، في ردع المتورطين أو تقليص وتيرة الأحداث.

أمام هذا الوضع، باتت الحاجة مُلحّة إلى بلورة مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الجذور الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لهذه الظاهرة، وتتجاوز البُعد الأمني البحت.

في هذا السياق، تبرز دعوات متعددة، من داخل البرلمان ومن طرف فعاليات مدنية ورياضية، إلى ضرورة إعادة النظر في المنظومة القانونية المؤطرة لأحداث الشغب الرياضي، عبر سن قوانين أكثر صرامة، لكن أيضًا أكثر نجاعة، توازن بين العقاب والإدماج، وتراهن على البدائل التربوية التي تصنع جمهورًا رياضيًا مسؤولًا ومواطنًا فاعلًا لا مشاغبًا.

وفي هذا الإطار، كشف وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، عن تدابير جديدة تعتزم الوزارة اتخاذها لتأمين الملاعب في أفق احتضان التظاهرات الرياضية القارية والعالمية المقبلة.

وأكد برادة، اليوم الإثنين، أن جميع البنيات التحتية الرياضية التي يتم تشييدها أو إعادة تهيئتها ستخضع لمنظومة مراقبة رقمية شاملة، تشمل كاميرات عالية الدقة داخل الملاعب وخارجها، في إطار استراتيجية أمنية متكاملة تهدف إلى تحديد المسؤوليات وتعزيز الردع.

وأوضح الوزير أن هذه الوسائل التقنية المتطورة ستسمح بالتعرف السريع على المتورطين في أحداث الشغب، وتقديمهم إلى العدالة، بما يُكرّس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويُسهم في تعزيز الشعور بالطمأنينة لدى الجماهير والعائلات الراغبة في ارتياد الملاعب دون خوف أو تهديد.

غير أن ما يلفت الانتباه أكثر في تصريح الوزير، هو الربط الصريح الذي أقامه بين ظاهرة الشغب المدرسي والهدر المدرسي، في مقاربة غير مسبوقة ضمن النقاش العمومي حول الشغب الرياضي.

وأكد برادة أن عددًا كبيرًا من المتورطين في أعمال العنف الرياضي هم من فئة الشباب المنقطعين عن الدراسة، موضحًا أن المغرب يسجل سنويًا مغادرة حوالي 160 ألف تلميذ لمقاعد الدراسة في المستوى الإعدادي، ما يشكل، بحسب تعبيره، "خزانًا بشريًا هشًا، لا يتلقى تعليمًا ولا تكوينًا، ويُشكّل بيئة خصبة للعنف والانحراف".

ودعا الوزير إلى ضرورة بناء جسور متينة بين المدرسة والرياضة، واعتماد مشاريع مجتمعية مندمجة تعيد الاعتبار للتربية داخل منظومة الرياضة، وتمنح الأطفال والشباب نماذج إيجابية للاقتداء، ومهارات للحياة الجماعية والتفاعل الحضاري.

كما شدد على أن الملاعب لا يجب أن تتحول إلى ملاذات للفوضى، بل ينبغي أن تكون فضاءات للتعبير المدني والمنافسة الشريفة والانتماء الإيجابي.

آخر الأخبار