دخول سياسي على إيقاع "الزلزال"

الكاتب : الجريدة24

02 سبتمبر 2019 - 08:00
الخط :

من دون شك يشكل الدخول السياسي المقبل أهمية خاصة من جهة إحداث تغيير على مستوى البنية الحكومية والمؤسساتية وحتى الحزبية وذلك بالمقارنة مع الدخول السياسي للعام الماضي مثلا. هذه الأهمية نابعة أساسا من الرغبة الملكية المعبر عليها أساسا في خطابي العرش وثورة الملك والشعب، وتتجلى في محورين: تعيين لجنة من أجل بلورة تنموي تنموي جديد وفي التعديل الحكومي المقبل..

الأمر لن يقف عند إحداث تغيير على مستوى تولي المناصب العليا في الإدارة والاقتصاد والحكومة، وإنما يمتد إلى إحداث تغيير على مستوى تولي المناصب العليا في الإدارة والاقتصاد والحكومة، يرتكز على الكفاءة والعمل الجدي بعيدا عن لغة تبادل المصالح والمنافع، لذلك كلف الملك محمد السادس، رئيس الحكومة بأن يرفع في أفق الدخول المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق للانتقال إلى مرحلة جديدة.

ما من شك في كون هذه التغييرات المرتقبة سيكون لها انعكاس كبير على الوضع السياسي في البلاد ولاسيما على الأحزاب السياسية. لكن السؤال الذي يطرح حاليا هو هل الأحزاب السياسية مؤهلة اليوم للتفاعل إيجابا مع المرحلة المقبلة؟ لا بد في هذا الإطار من التذكير أن أحد أسباب لجوء الملك محمد السادس إلى إقرار تعيين لجنة في القادم من الأيام من أجل بلورة النموذج التنموي المستقبلي هو عدم قدرة الأحزاب لاسيما من داخل الحكومة، على تقديم عرض سوسيواقتصادي جديد للتنمية.

مع ذلك، يجب الاعتراف ببعض التقدم الملموس داخل المشهد الحزبي، وإن كان بطيئا، تجاوبا مع هذه الدينامية الجديدة التي أطلقتها المؤسسة الملكية. فالكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي -رغم كل الخلفيات التي حكمت المبادرة- بادر إلى مراسلة أعضاء المجلس الوطني من أجل تكوين بنك معطيات يهم أطر وكفاءات الحزب، وهي خطوة تبقى إيجابية إذا ما تم استثمارها في الاتجاه الصحيح.

نفس الأمر ينطبق على حزب الحركة الشعبية، الذي أنشأ مكتبه السياسي لجينة يوجد ضمن أعضائها محمد حصاد من أجل الجسم في لائحة الأطر المرشحة للاستوزار. حزب التجمع الوطني للأحرار يعرف دينامية منذ فترة -رغم الملاحظات المسجلة في هذا الباب ذات العلاقة لإشكالية محاولة فرض الفاعل التقنوقراطي دون مراعاة الجانب السياسي-... ونفس الأمر ينطبق على حزب الاستقلال الذي بات يستعيد عافيته التنظيمية.

في حين أن أحزاب أخرى مازالت لم تعبر عن وجهة نظر بخصوص التغييرات المقبلة أو خطت خطوات في هذا الاتجاه، ونجد أخرى تعيش على إيقاع أزمات تنظيمية حادة مثل حالة حزب "الأصالة والمعاصرة". لكن الأساسي في هذا الاتجاه هو مخرجات هذه الديناميات الحزبية الداخلية. هل ستفرز لنا كفاءات سياسية يمكنها أن تساهم في بلورة وتنزيل سياسات عمومية مرتبطة بالنموذج التنموي المستقبلي؟

إن أخطر ما يمكن أن تقوم به الأحزاب أن تغرق الحكومة بعد التعديل المنتظر بعدد من الأطر التقنية التي لا علاقة تربطها بالأحزاب السياسية وتحاول إصباغها بألوان سياسية دون أن تكون لها رابطة فكرية أو سياسية، لأن هذا النوع من العمليات في العمل الحزبي، كان غالبا ما يؤدي إلى وصول "سياسيين" إلى مناصب حكومية دون أن تكون لهم حتى القدرة على بلورة جملة سياسية مفيدة في المؤسسات الدستورية.

إن خطورة اللجوء إلى هذا النوع الكفاءات تتجلى في عدد من النقط، أولا تبخيس العمل الحزبي والسياسي بشكل أكبر، وثانيا عدم توطيد الثقة في المؤسسات، وثالثا عدم قدرتها على التعامل مع التحولات الاجتماعية المتسارعة التي تشهدها البلاد -الفاعل السياسي متمرس بطبعه على إدارة المفاوضات-.

يجب أن تفهم الأحزاب السياسية على أنها ليست مكاتب خبرة أو مكاتب توظيف الأطر، وإنما يجب عليها تقديم نخب سياسية تتمتع بالكفاءة العالية في مجالها، مع تملكها لأفق سياسي يؤهلها لفهم واستيعاب النموذج التنموي المنتظر تنزيله.

إن هذا النوع من النخب السياسية هو الذي يمكن أن يجيب عن الأسئلة التي ما فتئ الفاعلون المركزيون يطرحونها، لاسيما تلك المتعلقة بالنموذج التنموي المستقبلي، فتنزيله على أرض الواقع ليس عملية تقنية وإنما خاضعة لقدرة المسؤول على تملكه سياسيا أوليا. أما محاولة استيراد كفاءات وإصباغها بألوان حزب معين، فإنها عملية لن تؤدي سوى إلى إعادة إنتاج نفس أشكال الفشل لا غير.

إن تفاعل الأحزاب السياسية مع هذا الوضع بالشكل الإيجابي، سيجعلها في وضع مريح تنظيميا وسياسيا، أما إذا تفاعلت معه بالمنطق الثاني وهو منطق "استيراد الكفاءات" فإنها ستكون أمام "زلزال سياسي" سوف يزعزع دون شك أركانها التنظيمية.

آخر الأخبار