انطلاق أشغال "كازابلانكا تك فالي".. بين رهانات التنمية وهواجس ضياع أرزاق تجار الجملة

بدأ مشروع "كازا تك فالي" أولى خطواته العملية على مستوى مقاطعة سيدي عثمان بالدار البيضاء، حيث شرعت السلطات المحلية، اليوم الثلاثاء، في تنفيذ عمليات هدم عدد من المرافق والمحلات التجارية المغلقة، لتهيئة الأرضية اللازمة لإطلاق هذا القطب التكنولوجي الواعد.
https://youtu.be/wMyHDSy2u-Q?si=A3q2c4cplYzd67YH
وعلى طول شارع عبد القادر الصحراوي، عاينت "الجريدة 24" تدخل الجرافات التي باشرت إفراغ المنطقة في مشهد حمل دلالات عن انطلاق تحول عمراني وتنموي كبير في واحدة من أكثر المناطق تهميشاً داخل العاصمة الاقتصادية.
ويمثل مشروع "كازابلانكا تك فالي" امتداداً طبيعياً لمنطقة "كازانيرشور" الشهيرة بسيدي معروف، إذ يسعى إلى إحداث بيئة متكاملة لاحتضان الاستثمارات في مجالات الرقمنة والصناعات الذكية، مع التطلع إلى خلق عشرات الآلاف من فرص الشغل وتحويل البيضاء إلى قطب تكنولوجي دولي.
غير أن هذا الورش الاستراتيجي لم يمر دون إثارة جدل واسع، بعدما تبين أنه سيُقام على أنقاض أسواق ومرافق حيوية اعتاد سكان المدينة الاعتماد عليها في تلبية حاجياتهم اليومية بأسعار مناسبة، ما أثار مخاوف حقيقية لدى المهنيين والتجار.
في قلب هذا الجدل، تجد أسواق الجملة كـ"مارشي كريو" وسوق السمك وسوق البطوار نفسها تحت التهديد بالإغلاق، في إطار خطة لترحيلها نحو منطقة حد السوالم، وهو ما اعتبره عدد من المهنيين تهديداً مباشراً لمصدر رزقهم، وتضييقاً على الفئات الهشة التي ترتبط معيشتها بهذه الأسواق.
وقد اعتبر مهنيون في تصريحات متفرقة أن الأمر لا يتعلق فقط بنقل مرافق، بل بتفكيك منظومة اقتصادية واجتماعية نسجت تفاصيلها عبر عقود داخل نسيج سيدي عثمان.
كما عبّر كثيرون عن خشيتهم من فقدان زبائنهم، وارتفاع تكلفة النقل والتخزين، مما قد يؤدي إلى زيادات غير مبررة في أسعار المواد الأساسية.
وفي مقابل هذه التحفظات، تراهن جماعة الدار البيضاء وصندوق الإيداع والتدبير على المشروع بوصفه أحد أضخم الأوراش المهيكلة التي من شأنها إعادة الاعتبار للمجال الترابي المهمّش، وجذب استثمارات وطنية ودولية قادرة على خلق ثروة اقتصادية وفرص شغل نوعية.
وقد تم الإعلان عن أن المشروع سيوفر ما يفوق 20 ألف منصب شغل مباشر في مجالات التكنولوجيا، والبحث، والتطوير، والابتكار، ضمن رؤية شاملة تسعى إلى دمج التكنولوجيا في النسيج الحضري للمدينة، وتكريس نموذج مدينة ذكية على الطراز الإفريقي.
رغم ذلك، لم تخلُ مناقشات مجلس مدينة الدار البيضاء من أصوات معارضة لهذا المشروع، خاصة بشأن طريقة تفويت العقار الذي سيُقام عليه.
وقد أثار مصطفى الحيا، المستشار الجماعي عن حزب العدالة والتنمية، خلال الدورة الأخيرة للمجلس، جدلاً واسعاً بعد وصفه الاتفاق الموقع بـ"وصمة عار"، مشيراً إلى أن كراء المتر المربع بثمن لا يتجاوز 70 درهماً سنوياً يشكل هدراً واضحاً للمال العام، ولا يراعي مبدأ العدالة المجالية.
وانتقد الحيا طريقة تدبير هذا المشروع، معتبراً أن المرافق التي ستتم إزالتها كانت تخدم الطبقة المتوسطة والفقيرة، في حين لم يتم تقديم ضمانات كافية لتعويض هذه الفئات أو تمكينها من بدائل اقتصادية واجتماعية مستدامة.
في المقابل، تؤكد رئيسة مجلس جماعة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، أن "كازا تك فالي" يمثل حجر أساس في التحول الذي تطمح إليه المدينة ضمن رؤية وطنية للتحول الرقمي والتنمية المستدامة، مشيرة إلى أن المشروع يتماشى مع المخطط الوطني لجعل البيضاء منصة قارية متقدمة في مجال الابتكار والاقتصاد الرقمي.
كما أوضحت أن المشروع سيراعي المعايير البيئية ومتطلبات التهيئة الحضرية الحديثة، وسيعزز تموقع العاصمة الاقتصادية ضمن سلاسل القيمة العالمية.
ويرتقب أن يشكل المشروع رافعة جديدة لتوزيع التنمية على نحو عادل بين أحياء المدينة، خصوصاً المناطق التي طالها التهميش لعقود كعمالة مولاي رشيد وسيدي عثمان.
ويطمح القائمون على المشروع إلى إعادة هيكلة العلاقة بين التكنولوجيا والمجال الترابي من خلال إدماج الرقمنة والذكاء الاصطناعي في التخطيط الحضري، بما يسمح بتجاوز النموذج الكلاسيكي الذي لم يعد قادراً على مواكبة التحولات الاقتصادية الراهنة.
وقد جرت مؤخرا مراسم توقيع الاتفاق الرسمي بحضور والي جهة الدار البيضاء سطات محمد مهيدية، ورئيسة الجماعة نبيلة الرميلي، والمدير العام لصندوق الإيداع والتدبير خالد سفير، إلى جانب عدد من المنتخبين والمسؤولين العموميين.
ومن المرتقب أن تنطلق أشغال التهيئة الفعلية خلال الأشهر المقبلة، في انتظار استكمال إجراءات الترحيل والتعويض التي ما تزال محور نقاش ساخن بين الفاعلين المحليين والمجتمع المدني.
يُذكر أن مشروع "كازابلانكا تك فالي" يندرج ضمن سلسلة من البرامج الوطنية التي تسعى إلى تعزيز جاذبية المدن المغربية وتوجيه الاستثمارات نحو مجالات عالية القيمة، على أمل أن يتحول هذا الورش، رغم ما يرافقه من تحديات، إلى نموذج ناجح للتنمية الحضرية المتجددة، التي لا تهمش الإنسان في طريقها نحو التحديث.