عادل الزبيري: الصحافي المهني المغربي يقف وحيدا في مواجهة الأعاصير

الكاتب : عبد اللطيف حيدة

27 أبريل 2022 - 11:30
الخط :

في ظل الأعطاب البنيوية التي تعاني منها "مهنة" الصحافة بالمغرب، أساسا، والتي تعكس واقعا اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا معينا فرضته مختلف التحولات في العالم، ارتأينا أن نقدم لقرائنا واقع هذه المهنة من خلال حوار مع واحد من الصحافيين المغاربة المخضرمين الذين بصموا على مسار صحفي جيد، وراكموا تجربة مهنية مهمة، وغاص في تفاصيل وواقع وأعطاب المهنة التي تكبحها للوراء، وتسيء أحيانا للمجتمع بحثا عن تحقيق أغراض اقتصادية.
ويتعلق الأمر بالصحفي عادل الزبيري، الصحفي المهني الذي شرع في تكريس جهوده لهذه المهنة منذ العام 2006، بعدما مر عبر مختلف التجارب الصحفية، قبل أن يستقر به الحال حاليا صحافيا مراسلا إخباريا ميدانيا لقناة العربية في المغرب.
عادي الزبيري كما يتحدث عن نفسه، يحب القراءة على ما هو ورقي، ويحمل مشروعا للكتابة الإبداعية الذي تعثر كثيرا بسبب سوء الأحوال في قطاع النشر، ويدور مشروع الكتابة عن الصحافة والصحافيين في المغرب.
وفيما يلي نص الحوار:

1. لماذا فضلت الاشتغال في الصحافة الدولية؟ هل هو اختيار عن سبق إصرار أم صدفة قادتك اليها الاقدار؟

وجدت نفسي أشتغل في الإعلام الإخباري الدولي، في مدرسة مهنية إعلامية كبرى، اسمها العربية، أعتبر نفسي "تلميذا مهنيا" لهذه المدرسة.. فضلت الاشتغال في الإعلام الإخباري الدولي، لأنه حلم وطموم مهني ،تولد في سنوات الدراسة الجامعية العليا في المعهد العالي للإعلام والاتصال. حاولت الاشتغال في الإعلام المغربي فلم تتولد بيننا صداقة. أعترف أنني محب للإعلام المغربي، ولكن يبدو أنه حب من طرفي فقط.
ولأن الصحافة حلم طفولي، تركت استكمال مساري الدراسي في التخصصات العلمية، ورفضت توجيه العائلة لدراسة الطب، واعتذرت عن دخول معاهد عليا للتجارة والتسيير، لتحقيق حلم العمر، أي ممارسة الصحافة

2. ما قراءتك لواقع الصحافة بالمغرب؟

تعيش الصحافة في المغرب أزمة وجود واستمرارية، وسط نزيف داخلي يهدد وجودها بالكامل، جراء التحولات الكبرى الجارية في التواصل عالميا. فبعد دخول مدونين إلى الصحافة من بوابة ما تسمى بالصحافة الإلكترونية، كأن الأمر يتعلق بصحافة جديدة، وهذا ليس بصحيح بتاتا، فالأمر يتعلق بظهور وسائل نشر جديدة فقط، أي إلى جانب النسخة الورقية ظهرت إمكانية نشر نفس المواد الصحافية عبر مواقع إنترنت.
تعاني الصحافة المغربية من انهيار للنموذج الاقتصادي، وتغيير المستشهرين والمعلنين الماليين لاختياراتهم، إلى وسائط التواصل الاجتماعي، التي تمكن من إيصال خطاب مباشر إلى المستهلكين والمستهدفين، من دون أي معالجة أو إعادة كتابة، أو طلب تعليق من خبير، كما هو الخال في العمل الصحافي.
تلقت الصحافة المغربية ضربات وضربات، جراء تلاقي إرادات فاعلين سياسيين وحقوقيين وحكوميين وجمعويين، سواء عن قصد أو عن غير قصد، ما جعل الصحافة المغربية في حالة تحتاج تدخلات عاجلا لإخراجها من خانة الأزمة إلى ساحات الانفراج المهني.
يقف اليوم الصحافي المهني المغربي وحيدا، في مواجهة الأعاصير؛ وضع مهني ومالي وأخلاقي ونقابي داخلي، يحتاج تعزيزا وحماية وتحصينا. ومع صعود مواقع التواصل الاجتماعي، قدم كل من يكتب سطرا نفسه على أنه صحافي.. بل إن مغردين زاحموا الصحافيين في الندوات الصحافية، ويقدم المغرد نفسه، على أنه صحافي فيسبوكي مثلا. أعتقد أن الصحافي المهني المغربي يقف وحيدا

4. ما اكراهات العمل التي تواجهك باعتبارك مراسلا لقناة دولية من المغرب؟

العمل الإخباري اليومي، في قناة إخبارية، يتطلب متابعة إخبارية من دون توقف، وضبطا لملفات إخبارية، وشبكة مصادر إخبارية، ومواكبة لما تنشره الصحافة المغربية. يتوفر المغرب على تراكم إيجابي في توفير مساحة مهنية مريحة للاشتغال. ويقدم المغرب وضعا اعتباريا للصحافي المغربي المشتغل من المغرب مع مؤسسات إعلامية دولية. من حسن الحظ أن قطاع الاتصال يشتغل فيه زملاء أعرفهم منذ سنوات، يفتحون الباب دائما للوصول إلى أرضيات عمل مشتركة. طبعا الإكراهات المهنية موجودة لأن الصحافة مهنة التحديات.

5. هل تواجه تضييقا على عملك الصحفي بالمغرب؟

التضييق الذي أحاول التعايش معه هو حالة الخلط الكبيرة بين صحافي مهني وبين كل حامل لميكروفون. فلابس الوزرة، البدلة البيضاء، يمكن أن يكون أستاذا في القسم أو صيدليا أو طبيبا أو طالبا في قسم أو حرفيا يدويا، كيف يمكن التمييز بينهم؟
هل يمكن للطالب الجامعي في الهندسة الكهربائية، أن يلبس الزي الأبيض أي الوزرة، ويقول للناس إنه طبيب متخصص في أمراض الجهاز الهضمي؟ هل تقبل هيئة الأطباء بهذا الوضع؟ طبعا الجواب لا
إذن هل كل من يحمل هاتفا محمولا أو كاميرا ويحمل ميكرفونا هو صحافي؟
هذا الانفجار الكبير في المغرب في مهنة الصحافة، هو أكبر تضييق مهني، أتعايش معه بصعوبة كبيرة. فالمسؤول الحكومي أو أي متدخل آخر، اختلط عليه الأمر، فعندما يرى 50 إلى 100 ميكروفونا أمامه يعتقد أنه أمام جسم صحافي مهني، فهل كل من لديه حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لبث مقاطع الفيديو هو صحافي مهني؟
ومن مظاهر التضييق أيضا، تنتظر مستجوبا للحصول على تعليق أو تصريح، فيأتي من يعتبر نفسه زميلا صحافيا، فيطلب التقاط صورة سيلفي. هذا الإسهال في حمل الميكروفونات تسبب عمليا في ضرب الصحافة المغربية.
ومن مظاهر التضييق في العمل الصحافي، أن يأتي نشطاء من المجتمع المدني غير الحكومي إلى الندوة الصحافية الأسبوعية للناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية لطرح أسئلة عن المجتمع المدني. إذن نحن أمام حالة جماعية لاقتحام بعنف رمزي للمجال المحفوظ مهنيا وقانونيا للصحافة المغربية.

7. ماهي أجمل القصص التي عشتها في حياتك المهنية؟

أعتبر نفسي صحافيا مهنيا في بداياتي المهنية، في مساري المهني المتواضع جدا، لأن هذه المهنة الجميلة، لا سقف لها ولا أستاذ فيها، لأن التدافع المهني أولا، والقدرة على إثبات الذات ثانيا بصفة متواصلة، هما المحركان الاثنان. ففي المغرب، أجمل القصص مهنيا؛ حكايات الناس البسطاء في كل قرية مغربية أو واحة في الصحراء، أو تجربة نجاح مغربي. الأجمل في القصص الصحافية المغربية لا يتوقف لأن المغرب بنك من الحكايات لا ينفذ رصيده.

8. هناك الكثير من الانتقادات يواجهها المجلس الوطني للصحافة. ما رأيك في أداء هذا المجلس منذ إحداثه؟

المجلس الوطني للصحافة تجربة مغربية تقدمية في الشكل، وفي الفكرة أيضا، ولكن الممارسة كشفت عدم قدرة هذه المؤسسة، إلى غاية الآن، على تقديم أي جديد مفيد للجسم الإعلامي والصحافي المغربي، وأولها تحصين العائلة الصحافية من حالة الفوضى التي يعيشها الإعلام مغربيا، ويبقى هذا التحدي صعبا جدا، وربما يحتاج وقتا أطول لمعالجته.
يحتاج المجلس الوطني للصحافة إلى تقديم خريطة طريق جديدة بمقترحات إنقاذ للصحافة المهنية المغربية التي تعيش وضعا يعرف المهنيون أنه مقلق. ففي تقديري، هذه المؤسسة المغربية، يمكنها أن تكون محاميا ترافعيا، أمام الجميع، باسم الصحافي المهني. فأمام المسؤولين في المجلس الوطني للصحافة المغربية خيارين؛ الاستمرار في النهج الحالي الذي جعل المؤسسة في مواجهة انتقادات من المهنيين من الصحافيين المغاربة، أو الانتقال إلى مرحلة جديدة في خدمة المهنة.

9. باعتبار التجربة الصحفية التي قضيتها وباعتبارك واحد من أقدم الصحافيين الذين خبروا المهنة وحسناتها ومساوئها وتحدياتها؛ ماذا تقترح على الفاعل العمومي الرسمي لتجاوز اكراهات العمل الصحفي؟
يحتاج المغرب إلى قانون صحافة من الجيل الجديد، ما دام أن المغرب يعتمد الطريقة الفرنسية لتنظيم المهنة، أي القانون المكتوب عوضا مثلا عن تجارب أخرى تعتمد الأعراف المهنية الراسخة والتوافقات بين المهنيين. فقانون مغربي جديد للصحافة، يمكن أن يقطع مع الرؤية التقليدية إلى الصحافة، خصوصا تراكمات مرحلة التجربة الصحافية الورقية الحزبية، بالرغم من أن هذه التجربة تركت تمارين تطبيقية مهنية، تستحق الاحترام، ولكن الزمن المهني تغير.
الحاجة مغربيا إلى قانون يقدم رؤية متطورة للقرن 21، أي قانون مهني يحدد من هو الصحافي المهني، ويضبط ويحدد المهن الصحافية، ومن دون عقوبات سالبة للحرية للصحافيين، وسط هيمنة لكبريات الشركات العالمية المتخصصة في التواصل الاجتماعي، واشتغالها على أخذ دور الإعلام في صناعة الرأي العام، لأغراض تجارية وليس مهنية.
كما يجب التوقف عن مسلسل الإبعاد للصحافة المغربية مهنيا، وتقوية الإعلام عبر نماذج مالية واقتصادية جديدة مغربيا. ويحتاج الصحافي إلى حماية شمولية من السلطات المغربية، فلا يمكن لأي مجتمع معاصر عبر العالم أن يعيش من دون إعلام. ويحتاج الصحافي إلى إجبارية التكوين الجامعي الأكاديمي، في المهن الصحافية، لدخول الممارسة المهنية الصحافية، والحصول على بطاقة الصحافة

آخر الأخبار