في حواره مع "الجريدة 24".. جدري: لا بد من إصلاح "المقاصة" ومحاربة المضاربين سيقلص من تأثير "البوطا" على الأسعار

وضعت الحكومة الحالية، إصلاح صندوق المقاصة كواحد من أولوياتها، نظراً لأهمية هذا الموضوع في تحقيق العدالة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية.
وترغب الحكومة من هذا الإصلاح، في ضمان وصول الدعم إلى الفئات المستهدفة بشكل مباشر، مما يقلل من احتمالات التلاعب والمضاربة.
ويتطلب هذا الإصلاح تخطيطاً دقيقاً وتنفيذاً محكماً لضمان الوصول إلى الأهداف المرجوة، مع الأخذ في الاعتبار التحديات المحتملة والتواصل المستمر مع المواطنين لتحقيق أفضل النتائج.
كما أكد نواب المعارضة، مرارا، في أسئلتهم الموجهة للحكومة، بأن قرار رفع الدعم عن عدد من المواد الأساسية، ينبغي أن تصاحبه مجموعة من الإجراءات كي لا تدفع الطبقة المتوسطة الثمن، بكون أن الأسعار ستصبح محررة.
ويتخوف نواب المعارضة، بأن يتحجج التجار باقتناء قنينة الغاز والخبز والسكر بالثمن الحقيقي وليس بالسعر المدعم، وهو ما قد يؤدي إلى المضاربة في الأثمنة.
وارتباطا بالموضوع حاورت الجريدة 24، الخبير الاقتصادي، محمد جدري، الذي كشف عن أهم الإجراءات الذي يجب إتخاذها بشأن إصلاح صندوق المقاصة، مع توضيحه لخلفيات التقليص من الدعم الموجه للبوطا.
وإليكم نص الحوار كاملا:
1- كبداية، هل ممكن اعتبار اصلاح صندوق المقاصة شر لابد منه؟
اصلاح صندوق المقاصة لابد منه، لتقليل استفادة الطبقات الغنية غير المستحقة من موارد الدولة، بكونها تستهلك كميات أكبر من المواد المدعمة، خاصة في القطاع الصناعي والفلاحي.
هذا الصندوق تحمل أزيد من 40 مليار درهم خلال سنة 2022، و24 مليار درهم في 2023، و 16 مليار درهم خلال السنة الجارية، وهو ما بات من الضروري إخضاعه لإصلاح مستعجل، لضخ هذه الموارد في البرامج الاجتماعية، الذي ستحسن من القدرة الشرائية للطبقة الفقيرة والمتوسطة.
2- ارتباطا بصندوق المقاصة، هل تحرير أسعار “قنينات الغاز” ستكون له عواقب وخيمة على المعيش اليومي للمواطنين؟
هذا القرار كان لا بد من حدوثه، بحيث أن دعم غاز البوتان طيلة السنوات الماضية، استفادت منه الطبقة الغنية وأرباب المقاولات بشكل أكبر، في حين أن الفئات الهشة والمتوسطة لا تتجاوز أكثر من قنينتي غاز في الشهر.
والحكومة حاليا عليها العمل على محاربة الوسطاء والمضاربين، من أجل أن لا يكون تحرير أسعار “قنينات الغاز”، له عواقب وخيمة على المعيش اليومي للمواطنين.
نظرا أن الرفع التدريجي من سعر غاز البوتان سيرفع سعر مجموعة من السلع والمنتوجات خلال الفترة المقبلة المقبلة، وسيرفع من حدة المنظومة الريعية في الأسواق، لذا فإن الحل هو تقوية لجان المراقبة عبر الزيادة من العنصر البشري، كإجراء لتفادي مثل سيناريو تحرير سعر المحروقات.
3- هل ممكن اعتبار أن حصيلة الحكومة لحد الآن في الجانب الاقتصادي متواضعة؟
لا يمكن اعتبار حصيلة الحكومة الحالية أنها حصيلة ضعيفة، لاسيما أنها نجحت في فتح العديد من الاوراش كتنزيل ورش الحماية الاجتماعية، بحيث أن هناك فئات عريضة من المجتمع تستفيد من التأمين الإجباري عن المرض، مع نجاحها في دعم الفئات الهشة ب 500 درهم شهريا، كإجراء لحماية قدرتها الشرائية.
كما أن الحكومة نجحت في دعم وإنقاذ العديد من القطاعات، على رأسها السياحة الذي كانت تعيش على وقع آزمة حادة في فترة الجائحة، بالإضافة إلى نجاحها في الجانب الجبائي، من خلال إصلاح عدد من الآنظمة الضريبية على الشركات، ثم الضريبة عن القيمة المضافة، مع اقترابها أيضا من إصلاح الضريبة عن الدخل.
ونجحت الحكومة أيضا في تدبير الحوار الاجتماعي، بعد توقيع عدد الاتفاقيات، أهمها اتفاق الحكومة والمركزيات النقابية على زيادة عامة بمبلغ 1000 درهم صافية شهريا في أجور العاملين في القطاع العام، بحيث تأتي هذه الزيادة في سياق خاص يتميز بتدهور كبير للقدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة.
لكن رغم ذلك هناك بعض النواقص، بحيث الحكومة مطالبة بدعم المقاولات الصغرى، مع محاربة الريع والفساد في جميع القطاعات، من أجل تحويل اقتصاد المملكة إلى اقتصاد يخلق الثروة ومناصب الشغل، بعدما وصلت نسبة البطالة إلى 14 في المائة.
كما أن الحكومة مطالبة بإنهاء الوسطاء والمضاربين، في مختلف الأسواق الوطنية، خاصة الذين يغتنون بأزمات الفئات الهشة والمتوسطة.
4- هل التضخم بالمغرب سيواصل مسار الانخفاض؟
مسار التضخم بالمغرب، عرف انخفاضا مهما خلال الأشهر القليلة الماضية، بحيث إذا رجعنا إلى الوراء في سنة 2022 انتقل من %6.6 إلى 6.1% خلال 2023، والمهم هو أن نسبة التضخم في فبراير الماضي لم تتجاوز حاجز 2%، في وقت بلغت 10% خلال العام الماضي من شهر فبراير.
والحكومة قامت بمجموعة من الإجراءات لخفض هذه الأرقام، من قبيل الدعم المخصص للفلاحين، سواء الأعلاف أو الرفع من رسوم الواردات الفلاحية، بالإضافة إلى دعم قطاع النقل، وكذا نجاحها في إعفاء مجموعة من المواد من الضريبة عن القيمة المضافة.
ولكن رغم هذه الإجراءات، فإن التضخم المغربي دائما مرتهن بفاتورة الطاقة على المستوى العالمي، وبارتفاع أسعار الغذاء، لذا فإن الحكومة، لم تنجح في حل إشكالية المضاربين والوسطاء ومظاهر الريع، فإن نسبة التضخم سترتفع مجددا في البلاد.
وحاليا التضخم في مستويات مقبولة ما بين 2 و3 بالمائة، غير أن الإشكاليات السابقة، وجب حلها لتفادي أي ارتفاع جديد.
5- هل تقلص الإنتاج الزراعي سيؤثر على نمو الاقتصاد المغربي؟
المغرب كان يتوقع خلال هذه السنة، تحقيق نسبة نمو تصل إلى 3.7 بالمائة، وذلك بناء على فرضيات أن القطاع الفلاحي سينتج 75 مليون قنطار من الحبوب، في حين نرى اليوم أنه لن يتجاوز 31.2 مليون قنطار من الحبوب.
وبالتالي فإن الحكومة هي واعية أن تحقيق نسبة النمو %3.7 أصبحت أمرا مستحيلا، ولا يمكن تجاوز هذه السنة نسبة 2.8 في المائة.
ولا يجب أن ننسى أن مغرب اليوم، سيظل يتعايش مع المواسم المتتالية للجفاف، إلى حدود سنة 2027، الذي ستشهد إنهاء إشكالية الماء، بعد إحداث عدد من المشاريع، من بينها محطات لتحلية المياه، وهو ما سيساهم إيجابا على القطاع الفلاحي.