أسئلة السودان الصعبة..هل ما حدث لعبة عسكرية؟

الكاتب : وكالات

12 أبريل 2019 - 09:30
الخط :

أزاح ضباط من الجيش السوداني الرئيس عمر البشير الخميس 11 أبريل الجاري ، بعد أشهر من الاحتجاجات في الشوارع، لكن المتظاهرين سرعان ما رفضوا الخطة الانتقالية التي دعت لتولي مجلس انتقالي السلطة لمدة عامين.

وأعلن وزير الدفاع أحمد عوض بن عوف على التلفزيون الحكومي، بينما تحفه الأعلام السودانية، أن حكم البشير الذي دام 30 عاماً، قد انتهى. ووضع الديكتاتور البالغ عمره 75 عاماً، والمطلوب من قِبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية منذ عام 2009، قيد الإقامة الجبرية بمنزله. وعجز مناصروه عن مغادرة البلاد بعد فرض حظر جوي لمدة 24 ساعة.

في شوارع الخرطوم مزق المتظاهرون الغاضبون صور رئيسهم السابق، لكن من غير المؤكد ما إذا كان 11 أبريل/نيسان سيشكل بداية الديمقراطية في السودان أو الانتقال من ديكتاتورية إلى أخرى، أو ربما أسوأ، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

ابن عوف قال إن المجلس الانتقالي سيقود البلاد لعامين، دون أن يقدم تفاصيل. ويخضع وزير الدفاع نفسه لعقوبات أمريكية بسبب دوره في حملة الإبادة الجماعية التي شنتها الحكومة السودانية في إقليم دارفور.

وقالت سارة عبدالجليل، وهي متحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين: «إن هذا انقلاب معاد تدويره، ولن يكون موضع ترحيب على الإطلاق»، مضيفة أن بيان ابن عوف «بعيد للغاية عن توقعات الشعب السوداني… وهي أن تسلم السلطة بشكل سلمي من النظام، دون شرط، وتشكيل حكومة انتقالية مدنية».

ووصف الناشط السياسي السوداني أمجد فريد الطيب، ما حدث بأنه «انقلاب مُزين».

وقال لمجلة Foreign Policy إن «الشعب السوداني لم ينزل الشارع أربعة أشهر ليستبدل طاغية بمثله».

شكل تجمع المهنيين السودانيين القوة الدافعة للاحتجاجات. وبدأت المجموعة تنظيم المسيرات في ديسمبر/كانون الأول احتجاجاً على ارتفاع أسعار الخبز وسوء الأحوال المعيشية. وسرعان ما انتشرت المظاهرات في أنحاء البلاد، وتضاعفت إلى أعداد لم تشهدها السودان قط تحت حكم البشير.

وقال خالد مدني، أستاذ السياسة الأفريقية والإسلام في جامعة مكجيل: «في الماضي كانت الأحزاب السياسية التقليدية تقود التجربة الديمقراطية في السودان»، «هذه الاحتجاجات الجديدة يقودها المحامون والأطباء والمهندسون وطبعاً منظمات نسائية».

وقال أعضاء في التجمع ونشطاء آخرون لـ Foreign Policy، إنهم امتنعوا عن دعوة الجيش للانضمام إلى الاحتجاجات حتى وصلت ذروتها نهاية الأسبوع الماضي.

وقال أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس: «يبدو أن المساومة كانت لتجنب حرب أهلية في الوقت الحالي».

الولايات المتحدة تعتبر السودان دولة راعية للإرهاب، وفرضت عقوبات اقتصادية على البلاد، لكنها تحافظ على علاقة أمنية تضمنت التعاون الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب.

وقال زكريا مامبيلي، الباحث في الحركات الاحتجاجية والسياسة الإفريقية في كلية فاسار: «ليس لأحزاب المعارضة القائمة دور قيادي كبير، وبالتالي لا توجد شخصية أو حزب سياسي واضح من المحتمل أن يتدخل في هذه اللحظة ليتولى السلطة»، «لهذا السبب تمكن الجيش من احتكار الفضاء حتى الآن».

وأشار جود ديفيرمونت، وهو محلل كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في إفريقيا، يعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى الجزائر مثالاً، حيث أطيح هذا الشهر بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إثر فترة حكم طويلة، وقال: «لقد رأينا في الجزائر أن المحتجين سيطالبون بأن يكون لهم صوت في تشكيل المرحلة الانتقالية، والآن الشروط غير مقبولة [للسودانيين]».

أحد الأسئلة في معمعة ما بعد الانقلاب هو ما إذا كان قادة السودان الجدد سيسلمون البشير للمحكمة الجنائية الدولية.

على مدار أكثر من 15 عاماً، فشل المحامون الدوليون، المدعومون بتفويض من أكبر القوى العالمية، في محاسبة البشير على تركة الفظائع الجماعية في دارفور. ويُزعم أن ميليشيات مدعومة من الحكومة نفذت حملة تطهير عرقي في المنطقة الغربية من السودان في عامي 2003 و2004.

روت النساء أن جنود البشير اختطفوهن وأخذوهن عبيد. قُتل أكثر من 300 ألف شخص، ونزح مليونان، في النزاع الذي ميز إرث البشير في السودان.

وقال زيد رعد الحسين، المفوض السامي السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لـ Foreign Policy: إن إقالة البشير «خبر غير عادي»، مضيفاً: «آمل أن يقوم الجيش الآن بالفعل الصحيح ويسلمه إلى لاهاي. إذا كانوا يريدون مستقبلاً جديداً للسودان، فسيتعين عليهم البداية بالبشير وتسليمه إلى قبضة المحكمة الجنائية الدولية».

وقال زيد إنه يعتقد أن البشير على الأرجح سيرسل إلى دولة مجاورة ليعيش فيها أيامه الأخيرة، لكن سقوطه يوفر للحكومة العسكرية فرصة لإصلاح علاقاتها مع القوى الغربية الرئيسية.

صوّت مجلس الأمن الدولي لأول مرة على بدء تحقيق مع البشير من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عام 2005. ووجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية عامي 2009 و2010 تهم ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية.

السودان، وهو ليس طرفاً في نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة، رفض تسليم البشير، الذي تحدى مراراً وتكراراً مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة بالسفر حول العالم دون عقاب، ليكون رمزاً على عجز المحكمة.

يستعيد السفير الأمريكي توني هول ذكرى رحلة قام بها إلى دارفور عام 2004، بحسب ما ورد في وثيقة مسربة من ويكيليكس: «إن معاناة أهالي دارفور هائلة»، «لقد استمعت إلى قصص نساء اغتصبن، ورجال ضربوا، وعذبوا، وقتلوا، وقرى أحرقت، ورأيت الناس يتماسكون بالكاد ليبقوا أحياء».

في محاولة امتدت من إدارة باراك أوباما إلى إدارة دونالد ترامب. خفف الدبلوماسيون الأمريكيون بهدوء العقوبات والعزلة الدولية، وفي مقابل تنازلات من البشير في التعاون لمكافحة الإرهاب، زادوا فرص الحصول على المساعدات الإنسانية، وغيرها من القضايا. أيدت وكالة الاستخبارات الأمريكية هذا النهج، إذ قام البشير بطرح نفسه بشكل مغاير كحليف في الحرب ضد الجماعات الإرهابية.

لعدة أشهر، ناقش كبار المسؤولين في إدارة ترامب إزالة اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب، في مقابل الحصول على مزيد من التنازلات بشأن عدة قضايا، بما في ذلك حقوق الإنسان.

من بين الشخصيات الأوسع نفوذاً في رسم مستقبل السودان رئيس الاستخبارات في البلاد صلاح قوش. لديه تاريخ من التعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في جهود مكافحة الإرهاب، وعين في منصبه بدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. أغدق كلا البلدين مئات الملايين من الدولارات لدعم نظام البشير والاقتصاد السوداني، في سياق تنافس الدول الخليجية على النفوذ في القرن الأفريقي.

ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدالة الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش، قال إن سقوط البشير أحيا احتمال أن يواجه العدالة أخيراً في لاهاي.

وأضاف: «البشير وآخرون من قبيله يختبئون وراء الحجة القائلة بأنه لا يمكن مقاضاة رؤساء الدول، حتى على أخطر الجرائم»، «حسناً، لقد أزال شعب السودان هذه الحجة».

دولية