بوتفليقة للجزائريين: أنا من يرتب الخليفة بعدي !

الكاتب : وكالات

05 مارس 2019 - 07:00
الخط :

لم يرفض الرئيس المنتهية ولايته نداءات الشارع الرافضة لترشحه لعهدة خامسة فحسب، بل تمسك أيضا بأحقيته في تعيين الخليفة الذي سيأتي بعده إثر تنظيمه انتخابات رئاسية مسبقة، مثلما يقترح ذلك في رسالته الأخيرة.

فهل هذا الانفراد بالقرار هو محصلة اتفاق مع المؤسسة العسكرية بشأن الرئيس المقبل؟ أم أن الرئاسة تريد بخرجتها تحييد ما تبقى من المؤسسات الأخرى ولم يبق لها سوى العراك مع الشارع؟

اكتملت، أمس، الدائرة، فالرئيس لم يقدم ملف ترشحه شخصيا للمجلس الدستوري، لأنه مريض، حسب مدير حملته، عبد القادر زعلان، وغير قادر على تنشيط الحملة الانتخابية كباقي المرشحين، مثلما جاء ذلك على لسان أحمد أويحيى، وليس مطالبا بأداء اليمين الدستورية في حالة فوزه لاستلام الحكم وفقا للدستور، كما سبق أن ذكر بذلك فاروق قسنطيني، في وقت يرى خبراء القانون والدساتير، أن هذه المحطات التي يراد القفز عليها، لم يضعها المشرّع في الدستور وقانون الانتخابات كمواد لـ"الزينة"، بل تعد جزءا لا يتجزأ من الشرعية الدستورية والشعبية.

هل بالإمكان الخروج من انتخابات رئاسية "معتلة" بهذا الشكل ومقاطعة شعبيا، للبناء عليها وتأسيس قاعدة لما يقترحه الرئيس المنتهية ولايته في رسالته، أي تنظيم ندوة وطنية شاملة يتمخض عنها تعديل الدستور والذهاب إلى رئاسيات مسبقة لن يترشح لها الرئيس. لم يقدم الرئيس أي ضمانات لما يدعو إليه، فهل هو وعد شخصي تعهد به لامتصاص غضب الشارع؟ أم أن المؤسسة العسكرية موافقة على خريطة الطريق التي يقدمها الرئيس لإنقاذ حكمه؟ لا يوجد ما يؤشر لوجود ضمانات حقيقية من شأنها إقناع المعارضة بالمشاركة في هذا المسار الذي يحمل في طياته محاولة للالتفاف حول مطالب الشارع المعبّر عنها في مسيرات 22 فيفري و1 مارس، بحيث لم يذكر الرئيس في رسالته سوى التزامه الشخصي: "هذه الالتزامات التي أقطعها على نفسي أمامكم ستقودنا بطبيعة الحال إلى تعاقب سلس بين الأجيال".

لقد التزم الجيش في ندوة الوفاق الوطني، منتصف التسعينات، بتنفيذ نتائج تلك الندوة، وقال ذلك صراحة للذين شاركوا فيها يومها، وهو المعطى الغائب في رسالة الرئيس، إذ لا يستبعد أن تكون "ندوة يتيمة" برعاية محيط الرئيس والمستفيدين من نظامه، ما يفقدها جديتها، خصوصا وأنها ستكون محكومة بالمنطق العددي وليس الحضور النوعي، وهو ما ردده أويحيى في البرلمان فيما أسماه بـ"تساوي المشاركين". ثم كيف يقتنع الناس بها، وأن الالتزامات العديدة التي سبق للرئيس بوتفليقة أن وعد بها في عهداته المتتالية، بقيت مجرد حبر على ورق ولم تر النور طيلة 20 سنة من الحكم الانفرادي. بالنسبة للمراقبين كانت رسالة الرئيس تبحث عن مخرج لحكمه أكثر من بحثها لمخرج لأزمة الجزائر، بحيث يربط الرئيس إصلاحاته الموعودة بمدى فوزه بعهدة خامسة، أي أنه يقول للجزائريين الذين خرجوا إلى الشارع في مسيرات رافضة للعهدة الخامسة، إنكم مطالبون بالتصويت لصالحي يوم 18 أفريل، ليتم بعدها تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة لم يحدد أي تاريخ لها!

ولا يفهم من هذا المسار المختار من قبل الرئيس، سوى كونه يريد أيضا أن يكون صاحب الكلمة في تعيين من سيكون المرشح لخلافته، وهو أمر لم يحدث سابقا من قبل أجنحة النظام المتناثرة، فكيف يتحقق في هذه الظروف التي سبق فيها الشارع الجميع ورفع سقف الحرية عاليا.

إن وضعية الانسداد المزمن الذي تعيشه البلاد اليوم، لا يمكن لرسالة الرئيس أن تحلها، لأن الرئيس بوتفليقة اختار طيلة حكمه "الانفراد" بصناعة القرار السياسي، بعد تجاوزه للدستور وللمؤسسات المنتخبة على غرار البرلمان الذي لا دور ولا قيمة له في صنع القرار، وتهميش الأحزاب والمجتمع المدني وعدم الأخذ برأيهما، حتى في تعيين الوزراء أو الإطارات العليا، رغم تأكيد التعديل الدستوري على ضرورة "استشارة" الأغلبية البرلمانية على "فبركتها". اعتقد بوتفليقة بأهمية جهاز الأفالان في معركة السلطة بالجزائر، ولذلك عين أمناء عامين للحزب ضعفاء سياسيا من أمثال سعداني، ولد عباس، بوشارب ضمن مساعيه لوضع الحزب تحت قبضته وكسر مراكز "المقاومة" به.. فضعف الحزب وأصبح هو الكل في الكل، وكان يعتقد بأن تجميع كل الصلاحيات في يده سيقويه، في حين أن ذلك أضعف مؤسسات الدولة، وبالتالي أضعف حكمه، وهو ما حصل بالفعل. فلو كانت المؤسسات قوية، ما شهدنا مثل هذه الكوارث التي تحدث في البلاد، من تغوّل للفساد وترهل لمؤسسات الدولة والمسؤولين وتعاظم الاضطرابات والقلق الحاصل في البلاد.

  • عن الخبر الجزائرية بتصرف

دولية