من بوليفار إلى العيون..

الكاتب : الجريدة24

07 نوفمبر 2020 - 04:00
الخط :

هشام الأكحل (ومع)

بإحدى المقاهي بالعاصمة الفنزويلية كراكاس جلست أنا وصديقي هوغو كان الجو يميل إلى الاعتدال صيف العام2013. لم يسبق أن أخلف هوغو موعدا ضربناه لكنه هذه المرة حضر قبل الموعد المحدد وكأنه يستعجل بقول شيء ما.

الحديث إلى هوغو شيق، فهو صحفي متمرس خبر ما يعتمل على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بأمريكا اللاتينية، ناهيك عن ولعه الكبير بكل ألوان الثقافة لا سيما الأدب اللاتيني، وعلى وجه التحديد ما يعرف بالشعر الثوري.

ولكن هوغو يحسب نفسه من بين أكبر المتعاطفين مع انفصاليي البوليساريو، وتقديرا منه لعمق الصداقة التي تجمعنا يتحاشى الحديث إلي في الموضوع خشية أن يثير حفيظتي، طمأنته وقلت له إنه من العدل أن ترهف السمع لوجهة نظر جميع الأطراف وألا يكون تعاطفك شيكا على بياض.

أبدى رغبته في الاستماع إلي حول هذه القضية، فقلت إن المسألة بسيطة للغاية، تصور أنه عند جلاء المستعمر الإسباني عن فنزويلا وخروج آخر جندي منها قبل نحو قرنين من الزمن، قامت كولومبيا بخلق كيان من المرتزقة يضم عددا من طلبة فنزويليين،

كانوا يتابعون دراستهم في جامعات كراكاس ومنحتهم الإقامة في مخيمات على جزء من أراضيها ومولت مليشياتهم ودربتهم عسكريا وساعدتهم في ذلك البرازيل أيضا، بهدف إقامة دولة جنوب فنزويلا وتحديدا بولاية بوليفار التي تعادل مساحتها مساحة الصحراء المغربية.

اعتدل صاحبي في جلسته ونظر إلي من وراء نظارته نظرة فيها كثير من الاندهاش، وواصلت حديثي المتخيل بالقول تصور معي أن كولومبيا الغنية بثرواتها أغدقت من الأموال ما جعل القادة الانفصاليين الثائرين على نظام الحكم في كراكاس يصولون ويجولون في مختلف العواصم. تحشد لهم الدعم في المحافل القارية والدولية وتمنحهم جوازات سفر ديبلوماسية وتفتح سفارة لهذه "الجمهورية الموعودة" ببوغوتا ولا تتوانى في أن تضمن لها صوتا ومقعدا في مختلف التكتلات الإقليمية، بما في ذلك اتحاد دول أمريكا الجنوبية "الأوناسور" ويجلس زعيمها قبالة رئيس الدولة الفينزويلي ويصفه بالمحتل لإقليم بوليفار.

علت وجه صاحبي علامات انفعال وتشنج وغضب واعترض قائلا .. يستحيل أن أتخيل ما تقول فولاية بوليفار لا يمكن أن تكون إلا فنزويلية وهي كذلك إلى الأبد، وفنزويلا موحدة ولن نقبل أبدا أن يتم المس بشبر واحد من ترابنا ووحدته التي من أجلها ضحى أجدادنا بأرواحهم.

هدأت من غضبه وذكرته بأننا نتخيل فقط ولنزيد إمعانا في التخيل ولنتصور أن كولومبيا لم تقف عند هذا الحد، بل توجهت لحلفائها عبر العالم وأقنعتهم بكل الوسائل المتاحة، حتى بشراء الذمم، بالاعتراف بـ"جمهوية بوليفار الديموقراطية الشعبية" مستغلة في ذلك ظروفا خاصة كان يمر بها العالم وقتئذ ومسخرة كل طاقاتها الديبلوماسية والمالية وغيرها.

همها الوحيد هو معاكسة الوحدة الترابية لفنزويلا وجعل "الجمهورية" حجرا في حذاء فنزويلا لكي لا تعرف سبيلا للتطور والنمو ما لم تجد حلا لهذه المسألة.

وقع لعبة التخيل نزل على صاحبي كالماء البارد، ولم يستسغ أن تكون بوليفار غير فنزويلية.

فكيف لي أن أقبل بأن تكون العيون أو الداخلة غير مغربيتين والجغرافيا والتاريخ شاهدان على أن كل الأقاليم الجنوبية للمملكة كانت دوما وستظل إلى الأبد مغربية حتى النخاع.

ياصاح هوغو، إن مشكل الصحراء نزاع افتعلته الجارة الجزائر لتغذي به هوسها بإيجاد منفذ لها على الأطلسي، ولا حل له إلا بانخراطها الجدي لطي صفحة نزاع هي أصلا من فبركته، ودفعت الثمن غاليا من أموال الشعب، الذي كثيرا ما يتساءل ما الذي جنيناه من هذا النزاع .. الشعارات ليس إلا .. أما المغرب فهو في صحرائه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ارتشف هوغو قليلا من قهوته مستعجلا الرحيل، على أن نلتقي غدا، في نفس الموعد ونفس المكان.

آخر الأخبار