سقوط كابل بين التداعيات الأمنية و المآلات الجيوسياسية

الكاتب : الجريدة24

17 أغسطس 2021 - 12:30
الخط :

الشرقاوي الروداني

هناك دائما أحداث كانت فارقة في تاريخ البشرية، وكثيرة تلك المعارك التي غيرت مجرى التاريخ المعاصر. سقوط كابل و دخول طالبان القصر الرئاسي إعلانا عن السيطرة المطلقة على افغانستان يمكن الإقرار بتأثيره المستقبلي على هندسة خرائط جديدة ليس فقط في آسيا الوسطى و لكن على المستوى الدولي.

عشرون سنة من الجهد والتواجد الدولي في هذا البلد ومحاولة العمل على تشكيل جيش أفغاني على النمط الغربي تهاوت في الاخير كأوراق الشجر في فصل الخريف.

هي أسئلة كثيرة وتطرح  حول إستراتيجية فن الحرب المتبعة و التي لم تأخذ  بعين الاعتبار المناخ،  التضاريس، النظام العام العسكري القبائلي ، القانون الأخلاقي بين القبائل المشكلة لنسيج المجتمعي الأفغاني و رؤية القائد المفروض فيه  خصال الوحدة و الايمان بالقضية.

كلها عوامل، ربما غابت عن الحسبان وغابت كذلك استراتيجيات هارلمان اولمان مخطط تكتيكات العسكرية الأمريكية في حرب الخليج الاولى،  ساعدت على تفكك الوحدات العسكرية التي تم تكوينها أمام أول اختبار الدعاية النفسية التي أطلقتها الوحدات السرية لطالبان.

جل الخبراء العسكريين متفقون على أن توقيت الانسحاب الدولي من هذا البلد لم يكن صائبا.

لهذا فأبجديات المعركة تقتضي البحث عن إفشال شروط تقدم العدو على الارض بيد انه لا يملك قوة جوية تؤمن له غطاءا على الارض.

ومن تم، على المستوى العسكري كان بالإمكان تأجيل الانسحاب الأمريكي إلى فصل الشتاء وهو الزمن المناسب و الذي تعرف فيه ذروة المواجهة في أفغانستان  أدنى مستوياتها حتى تتمكن القوات الحكومية من الحصول على فرصة ترميم الصفوف و وضع جميع السيناريوهات أمام كل محاولات التمكين و التقدم.

لكن هذا الهجوم والتحرك بسرعة كبيرة لم تكن غباءا من القيادات العسكرية لطالبان و لكن كانت افضل من التأني المحسوب قبلا و الماهر.

ربما بعد حين ستخرج بعض المعطيات حول كواليس المفاوضات في الدوحة وقد يتبين آنذاك تفاصيل اندحار منطقة برمتها في غياهب المجهول.

من المؤكد، ان عودة طالبان بهذه السرعة إلى الساحة وفرض أمر واقع سيكون له تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في مناطق جيوسياسية مختلفة، بل سيفتح الباب امام سيناريوهات كارثية للسلم والأمن العالمين.

و بالتالي فمستوى المخاطر سيزداد مع  عودة الحركات الجهادية و الشبكات المتطرفة العابرة للحدود .

هذه الاخيرة،  ستزداد أسهمها في الأشهر القادمة ان لم يكن في الأسابيع المقبلة.

ما وقع في أفغانستان سيساهم في استقطابات جديدة داخل هذه الجماعات و سيخلق لها هامش كبير في التأثير على معنويات الحركات الإسلامية المتطرفة و قد يعجل انبعاث تنظيمات إرهابية بمشاريعها المعروفة في مناطق مختلفة و التي لم تحسم فيها بعد معارك دولية ضد الارهاب.

انعكاسات هذا السقوط المدوي لأفغانستان بين أيدي طالبان سيسمع صداه قريبا في بؤر توثر عديدة في إفريقيا وآسيا، خاصة وأن بقايا داعش مازالت تعلق آمالها على بروز ظروف جديدة لتشكيل دولة " الخلافة".

طالبان في كتاباتها واطروحاتها لا تنزح عن تشكيل إمارة إسلامية بمفهوم المدارس الدينية المشكلة للملا والمولوي في قندهار، مزار الشريف وكابل.

في هذا الصدد، الانتصار "الخاطف" للطالبان يظهر فشلا كاملا للاستراتيجية الدولية لمحاربة الارهاب ويعيد عقارب الساعة إلى ما قبل الحادي عشر من شتنبر 2001.

وبالتالي، أمام هذه المعركة المحسومة لا بد من الإشارة إلى حجم الأخطار المحدقة وإلى طبيعة الرسائل المبعوثة من المنتظم الدولي و من الولايات المتحدة الامريكية الى من يتربصون في بؤر توثر عديدة و يتصيدون الفرص للخلق نقط رمادية جديدة.

الأحداث المتلاحقة مند سقوط كابل تعطي انطباعا بأن المنتظم الدولي طبع مع الحركات المتطرفة.

هذا المعطى،  سينعش بورصة الجماعات الإرهابية ليس فقط في الساحل الافريقي وجنوب الصحراء ولكن في سوريا والعراق و مجالات جيوسياسية أخرى.

انها مرحلة دقيقة يعيشها العالم والتي جسدتها صور افغانيين يريدون التمسك بأجنحة طائرات عسكرية، قبل عشرون عاما كان هبوطها فوق نفس المطار اعلانا ورمزا للعودة الحرية المفقودة.

انبعاث طالبان  هو سقوط مدوي للخطابات تشكيل نظم ديمقراطية في محور الشرق الاوسط وآسيا الوسطى.

فبسقوط كابل و عودة الحركة الإسلامية للطلبة المدارس الدينية المعروفة بطالبان( جمع طالب باللغة البشتونية ) إلى بسط سيطرتها على أفغانستان فإن من المتوقع أن تترتب على ذلك عدة نتائج في مناطق أخرى في العالم.

فبالرغم من الحسابات الاستراتيجية الشاملة للأمن القومي الأمريكي، المتجسدة في الاحتواء عبر اعتبار الأولويات القصوى و الضرورية للاستراتيجيات  الجديدة للإدارة الامريكية .

فإن المنطقة، خصوصا انها ذات موقع جيوإستراتيجي مهم يربط شرق وغرب وجنوب ووسط آسيا و محاذية في غربها للايران التقية و من الشرق الصين التي تتصيد الفرص للقفز على زعامة نظام دولي يتقلب، مقبلة على انبعاث جديد قديم للمماليك (دويلات ) صغيرة ستكون عنوان أبرز للإعادة تشكل نظام منطقة برمتها.

على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فإن المنطقة ستكون فوق صفيح ساخن خاصة في العراق حيث ستحاول إيران بسط سيطرتها أكثر على هذا البلد من خلال وكلائها كالحشد الشعبي، و جماعات "اهل الكهف" الموالية للفيلق القدس .

عودة طالبان و السقوط السريع لكابل، مزار الشريف، هراة سيترك فراغا قاتلا ستحاول استثماره دول كروسيا، الصين،  تركيا و إيران و من المنتظر أن تحاول طالبان بسط سيطرتها على مناطق التي تسكنها الهزارة الشيعة والأوزبك الترك و هو ما قد يقوي من احتدام الصراع و يجعل أفغانستان جبهة جديدة للمنافسات الإقليمية و التي قد تعرف دخول دول خليجية كالسعودية و الامارات العربية المتحدة و التي ستحاول خلق نقط ارتكاز الدعم الجديد للحيلولة دون وقوع أضرار في موازين القوى المستقبلية .

لكن تبقى الهند، ايران، باكستان، تركيا و الصين اكثر  الدول  التي ستقوم  بمحاولة ملأ الفراغ و استثمار تراجع  انخراط الولايات المتحدة الامريكية المكثف في منطقة آسيا الوسطى  و الشرق الأوسط و حتى وإن كانت لها حساباتها ومصالحها في هذا التراجع و الذي قد يقضي بخلق إستراتيجية تقارب مع إيران و حتى تركيا.

أمام الهندسة الجديدة في المحاور الدولية في الشرق الأوسط و آسيا الوسطى، فإن متطلبات الأمن القومي الأمريكي و الاستراتيجية للواشنطن في الشرق الأوسط  ستظهر الحاجة الى التعامل بأولوية واستراتيجية شاملة في معالجة المنافسات الاقليمية الجديدة و من جهة اخرى تقييم شامل حول الملفات المهمة المترابطة فيما بينها من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من توازن القوى.

بالرغم من إدارة الرئيس بايدن أعلنت أن الشرق الأوسط لن يكون في اولويات السياسة الخارجية الأمريكية،  لكن لا يمكن تجاهل الأحداث و الأخطار المحدقة.

أمام هذه التحديات والانسحاب الأمريكي من أفغانستان مع ما رافقه من انهيار الدولة و بسط سيطرة طالبان على مقاليد الحكم،  فإن الولايات المتحدة الامريكية أمام اختبار المصداقية و الالتزام في منطقة الشرق الاوسط الكبير أمام حلفائها و شركائها خصوصا وأن هناك معارك قادمة مازالت غير معلنة.

ما يمكن استنتاجه هو أن الإدارة الأمريكية اليوم مطالبة بالخروج بأقصى سرعة من حالة الارتباك الذي أصبح يسيطر على شركائها و حلفائها في بقاع العالم و أن توازن بين استراتيجياتها الخاصة من خلال دمجها في نهج شامل من أجل الإبقاء على فرص نجاح إستراتيجية يفهمها الجميع خاصة الأصدقاء و الشركاء.

رأي