في ذكرى وفاته…بسطاوي الممثل الذي اكتمل نضجه فاختطفه شبح الموت

الكاتب : الجريدة24

21 ديسمبر 2021 - 03:20
الخط :

مراد العشابي

توفي في مثل هذا اليوم، الفنان محمد البسطاوي، الذي ترك بصمة قوية ومحترمة في الساحة الفنية الوطنية، بسبب حسن تقمصه لشخصياته وقوة ملكته الفنية، فحين كان محمد بسطاوي يتقمص دور شخصية من صفاتها الحزم والصرامة ،كانت تعابير الطيبوبة تغلب على أدائه ،مادامت متأصلة في ذاته وكيانه ولا تتمكن إكراهات الأداء المسرحي والسينمائي والتلفزي من محور ملامحها أو التخفيف منها، ولعل ذلك ما دعا المخرجين إلى تنميط أدائه في دور البدوي الطيب المنبهر لما حوله ،والصامد في تشبته بأصالته وطببعته الأولى .

إنه ممثل بالسليقة والفطرة ،لم يتملكه هوس الإحتراف منذ شبابه الأول وهو الذي عارك الدنيا من أجل أن يجد له قدما تحت الشمس ،وغادر مدينته الكئيبة ،خريبكة وهو يقارب الثلاثين من العمر ،نحو" الفردوس "الأوربي الوهمي ،حيث كان يحلم جيله من المهاجرين بالإثراء السريع والعودة المظفرة إلى الوطن محملين بالهدايا .

في إيطاليا إكتشف الشاب بسطاوي الفرق الشاسع بين الأحلام والحقيقة، وتأكد من أن سماء إيطاليا مثلها مثل سماء خريبكة لا تمطر ذهبا ولا فضة .

فاضطر إلى إمتهان عدد من الحرف الصغيرة منها بائع جوال وما يصاحبها من متاعب ومضايقات، لكنه تشبت هذه المرة بحلم الهجرة المضادة إلى الوطن ،وحمل حقيبة العودة وبداخلها  عزم أكيد على أن يقتحم مجال التمثيل من نوافذه الضيقة أو من أبوابه الواسعة .

لكن كيف السبيل إلى ذلك ،إذا لم يكن بالتدريج وإقتناص كل الفرص المتاحة أمامه دون تردد، ولم تكن هذه الفرصة سوى العمل في برنامج "القناة الصغيرة "الموجه للأطفال على الأولى ،حيث عكف على تأليف نصوص كلها حكم وأمثال تحث الناشئة على السلوك السوي والتربية النمودحية ،وبعد هذه التجربة إعتبر بسطاوي أن الوقت قد حان ليدق باب المسرح ،فقصد فرقة "مسرح اليوم "التي كان يديرها عوزري والمرحومة ثريا جبران .

تطلعت ثريا جبران طويلا إلى هيئة بسطاوي وحركاته وإستفزها لهجته البدوية ،فجزمت بأنه لا يصلح بأداء أي دور في مسرحياتها ذات النفس "النضالي " و"النخبوي"،    لكن ما أعابت جبران على بسطاوي كان هو مفتاح تألقه في المرحلة الاحقة حيث أتقن دور البدوي والفلاح والمواطن المغلوب على أمره، وهو ما جعله يحظى بتعاطف جماهيري كبير إلى درجة أن حضوره في أي شريط سينمائي او مسلسل أو سيتكوم تلفزي يكاد يكون مطلبا شعبيا وضمانة للنجاح

إلى درجة أن مخرجين سينمائيين لم يعودوا يتصورون إنجاز أفلامهم دون حضور بصمته من  خلال أدوار وازنة ، فكان حاضرا بقوة في عدد من الاعمال الناجحة كفيلم   "جوق العميين "لمحمد مفتكر ،بعد أن بدأ مساره في مجال الفن السابع  بشريط "باي باي السويرتي "لداوود أولاد السيد في نهاية التسعينيات وواصله بأفلام من قبيل "طيف نزار " و"في إنتظار بازولينلي "و"ألف شهر "،

مما أهله للحصول على جائزة أول دور رجالي في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة عام 2012، وكان واضحا أن بسطاوي إكتمل نضجه وإكتسب كافة أدواته كممثل سينمائي وكان مؤهلا لإحتلال الصفوف الأولى مستقبلا لولا أن الموت كانت له الكلمة الأخيرة وحال دون أن ينتقل الفنان في مرحلة نضجه إلى آفاق فنية أبدع وأرحب ، وهي المرحلة التي يندر أن يصل إليها الممثلون المغاربة نظرا لأسباب خارحة عن إرادتهم تجبرهم على تضييع وقت ثمين في تصوير مسلسلات وسيتكومات موسمية فارغة المحتوى ، وغير مقتنعين بها نصا وجوهرا ،

لكن الظروف المعيشية القاهرة والفاتورات لمتراكمة تدفعهم إلى القبول بما هو في المتناول رغم هزاله في إنتظار أن يجدوا عملا يكشفون فيه عن مكنوناتهم الإبداعية ،وعلى هذا المنوال سار بسطاوي على خطى الراحل محمد مجد الذي أبدع امام كاميرات المبدعين الحقيقيين ،المغاربة والأجانب ،ولكنه أجبر أحيانا على  تقديم تنازلات مريرة بالمشاركة في أعمال إرتجالية و موسمية ،إلى أن دقت ساعة الأمجاد فكان الموت الأسبق إلى قطف ثمارها ، وما علينا أمام هذا الوضع إلا أن نرفع مرغمين في وجه شبح الموت  شعار "شوف وسكت "

آخر الأخبار