علي بن صالح الغربي السوسي السملالي
وقفات مع رسالة الشريف بن الشريف أمير المؤمنين محمد بن الحسن لرعاياه من حجاج بيت الله الحرام لهذه السنة ( 1444هجريةيوافق 2023 م) .
كعادة السلاطين الأشراف للدولة العلوية للمملكة الشريفة المغربية في مواسم الحج من كل عام ، وجه سلطان الوقت سيدنا المنصور بالله أعزه الله ورفع قدره رسالته الملكية لحجاج هذه السنة ( 1444 هجرية يوافق 2023 م ) وقد قرأ هذه الرسالة السامية على رعايا أمير المؤمنين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية خادم إمارة المؤمنين في المملكة الشريفة المغربية السميدع الأريب الأستاذ أحمد التوفيق أدام الله على هذه المملكة الشريفة الأمن والأمان ، والعز والاطمئنان .
وقد عزمت بعد التوفيق من ربي عزوجل أن أطرز هذه الخطبة السامية بوقفات هي من إكرام السلطان ، صاحب السعود في هذا الزمان ، حتى تعم الفائدة على الجميع ويستدرك محاسنها من فاته الاستماع لها أو قراءتها ويرجع إليها كل باحث لبيب ، وغواص على النواذر نجيب ، لأنها رسالة في قالب موعظة بليغة ، جمعت بين تربية النفوس لتشبيبها وتطريبها ، والاجتهاد في الأعمال لتهذيبها . ولي الشرف بمنه عزوجل علي ، وأسأل الله أن يبيض بها وجهي في الآخرة ووالدي .
قال اعزه الله ورفع شأنه في الدارين .
" هدفنا تزويدكم بتوجيهاتنا السامية فيما يتعلق بأداء هذه الفريضة المقدسة التي تجمع المسلمين على صعيد واحد متجردين من المخيط والمحيط ...متجردين من كل ما يميز بين المؤمنين من المظاهر الدنيوية والمقامات الاجتماعية.." .
أقول وبالله التوفيق وعليه التكلان :
ركز حفظه الله تعالى وأعزه في صدر هذا التوجيه الملكي على التجرد من المخيط والمحيط ، وهي إشارة إلى عمل الجوارح في مناسك الحج و من شروط الإحرام ، و كذلك تجريد القلوب في الديار المقدسة من كل مخيط فاسد يخيط القلوب بالحسد والضغينة والحقد ، والتجرد من كل محيط بالعبد من سوء النيات والأعمال ، يحيط بنفس المرء وقلبه ليفسد عليه حجه وشعيرته ،وهو توجيه شامل يجمع بين محظورات الإحرام ، وتنقية القلب وتصفيته من كل ما يجعله أسودا مربادا .
اما قوله حفظه الله تعالى وأعزه : "...متجردين من كل ما يميز بين المؤمنين من المظاهر الدنيوية والمقامات الاجتماعية ..." .
فإن فيه تربية للنفوس وإخضاعها بالتواضع للمسلمين في الديار المقدسة ، ولا يدخل الحاج على ربه هناك إلا منكسرا متواضعا بخفض الجناح لإخوانه الحجاج الآخرين لقوله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله " ( رواه مسلم ) .
ثم ذكر حفظه الله تعالى رعاياه الحجاج بضرورة التزود بالتقوى وبالتحلي بحسن الخلق ،وهما فضيلتان أوردهما أعزه الله بعد التجرد الأول والثاني ، أي بعد دفع شرور النفس وإرغامها على التذلل والتواضع ، ولا يمكن تحصيلهما إلا بالتقوى لأنها زاد المؤمن وراس ماله في الخير وصراط لحسن الخلق .
ثم جاء في كلمته أعزه الله تعالى ورفع قدره في الدارين : "
واعلموا أنكم في هذا المقام العظيم بمثابة سفراء لدينكم في موسم عظيم تجسده الأخوة الإسلامية والوطنية في الاعتقاد والسلوك ، ونبذ كل مظاهر التطرف والغلو وكل ما يبعث على الشقاق والعدوان " .
أقول مستعينا بالله تعالى :
نعم هذا من جوهر اتباع شرعنا وأنفسه حقنا للدماء ، وعدم ترويع الدهماء ، وهي الوسطية في الاعتقاد لا إفراط فيها ولا تفريط ، أي الابتعاد عن الغلو في الدين من الجهتين ، وهذا لا يتمكن للعبد إلا بحسن السلوك الذي يسد الباب على تسرب الشقاق والعدوان للعبد ، الشقاق أي : التفرقة بين القلوب ، والعدوان أي : إراقة الدماء وترويع الدهماء والسعي في الأرض بالفساد لمحاربة الله ورسوله . وبين هذه السطور ذكر أعزه الله ورفع قدره في الدارين رعاياه بأن يكونوا سفراء دينهم اي بالتحلي بتلك الشعب الإيمانية ونبذ وترك كل ما يسيئ لهم ولوطنهم المملكة الشريفة المغربية . زادها الله عزة ومهابة .
ومن أجل هذا ذكرت أنها خطبة وموعظة بليغة سامية شرعية ، حلقاتها تشد بعضها بعضا ، تتعدى الحجاج لكل الرعية بل لكل مسلم محب للخير باحثا عنه . فجزى الله سلطاننا خير الجزاء وأعزه ورفع قدره ولواءه .
ولم تقف الخطبة السامية على تربية النفوس وتهذيبها بل تعدته إلى الالتزام بالامتثال إلى التدابير التنظيمية التي اتخذتها السلطات في المملكة العربية السعودية الشقيقة وهو من سير المغاربة الزكية ، وهذا خاص في انتقال الحجاج بين المناسك وإليها ، وهو ما يسمى ب " التفويج " في المواقيت التي تخصصها الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية لكل بلد للتحرك عبر الحافلات ووسائل النقل الأخرى ، لأنها تحفظ النفوس من المخاطر والمهالك ، وهو منه اعزه الله تعالى رفقا برعيته وخوفا على آن يصيبهم مكروه ، وهو لكل الحجاج في المناسك ، و فيه كذلك مد يد العون للسلطات في المملكة العربية السعودية من باب شد عضدك بأخيك .
ودعى أمير المؤمنين الشريف بن الشريف محمد بن الحسن اعزه الله تعالى لأخيه خادم الحرمين الشريفين الذي دعاه " بأخينا الأعز الابر" ولولي عهده أخيه الأمير محمد بن سلمان ، وطلب من رعاياه الحجاج الدعاء له ولولي العهد الحسن بن محمد حفظه الله تعالى ولوطننا المملكة الشريفة . والدعاء للسلطانين الشريفين محمد بن يوسف الجد ، صاحب العزة والمجد . والحسن بن محمد مؤسس المغرب الجديد في هذا العهد .
حفظ الله سيدنا المنصور بالله تعالى بما حفظ به جده صلى الله عليه وسلم .
وجعله الله نجما في سماء هذه الأمة ثاقبا .
وسهما على أعداء وطننا صائبا .
وجعل سبحانه ولي العهد شمسا على مغربنا مضيئة بأنوارها .
ورقيا لرفع شأن المملكة الشريفة وازدهارها
وحفظ الله تعالى مملكة الأشراف العلويين .ورعاياها المخلصين .