سمير الحيفوفي
لعل دهن جلد الكلب بالعسل، فن لا يتقنه إلا القليلون أمثال "علي أنوزلا"، الذي قرر ضرب عصافير كثيرة بمقال واحد، طمعا في أن يقنعنا أنه ليس في الاختلاف رحمة البتة، وأنه متى أخذت مسافة والتزمت الموضوعية في تحليل مجريات الأمور في الشرق الأوسط، إنما أنت متصهين، تلتزم بـ"توجه غير رسمي".
وارتأى "علي أنوزلا"، أن يدغدغ مشاعر قراء "العربي الجديد"، التي تصدر من لندن، عبر إرسال رشقات عشوائية، هاجم فيها الجميع وخوَّنهم كلهم، وجعلهم في مصاف إسرائيل، لا لشيء إلا لأنهم لم يسايروا عنجهية تجار القضية الفلسطينية وقرروا النأي بأنفسهم، عن مساندة هؤلاء الذين يحتمون تحت الأرض وفي الأنفاق ويتركون المدنيين عرضة للأقصاف الإسرائيلية.
ولعل "علي أنوزلا"، الذي ظنه الكثيرون عاقلا، قد امتطى صهوة الجهالة، لدرجة جعلته يعلنها صراحة إما أن تكون حماسيا ومواليا لـ"السيد" و"حزب اللات"، وأن تلعن إسرائيل ليل نهار وإلا فأنت متصهين، ومروج للدعاية الصهيونية التي يعلم الجميع أن حركة "حماس" بـ"طوفان الأقصى"، و"حزب اللات" هما من سوَّغا لها طل الذرائع لتطفو على السطح.
ولقد تغوَّل "علي أنوزلا" وتوغل كثيرا في تمجيد "حماس" و"حزب اللات"، ولهج لسانه بذكرهما، مثلما ترجمت أنامله ذلك رقنا، لكنه لم يكن لنحو هكذا نحو دون أن يرمي بكل تحليلاته المشوبة بكل الشوائب في معترك الدولة والأجهزة، التي ينشد جرها إلى ما لا تنجر إليه.
فكيف لـ"علي أنوزلا"، أن يقر مثل أي عارف يدرك ما يقول أن "التصهين" مبتغى تقوده الدولة لكن بشكل غير رسمي. ثم كيف له أن يستسهل الكلام لحد يجعله يصادر للجميع آراءهم ومواقفهم؟ وكيف له أن يتبنى "دوغمائية" مقيتة وهو ينصّب كل مخالفي نظرته للأمور "متصهينين"؟
ولقد هاجم "علي أنوزلا"، بلا هوادة كل من قرر التفكير خارج الصندوق الذي وضعته إيران، وطلبت من مريديها، التصرف ضمن الحدود التي رسمتها لهم، فكما أنه مجَّد ما تقوم به الدولة الصفوية عبر "حزب اللات"، الذي اغتصب لبنان وهتك عرضها وتركها بلا جيش ولا حول ولا قوة، فإنه ازدرى كل من رأى مثل هكذا رأي، ينحاز إلى حقيقة الأمر القائلة بأن دولة المُلاَّ تلعب ببيادقها مثلما شاءت لتحقيق غاياتها ولا يهمها كم من الأرواح أزهقت ولا المباني التي دُكَّت.
وإذ يحق لـ"علي أنوزلا"، أن يعبر عمَّا يراه، لكن أن يمتشق السوط لينزل به جلدا على مخالفيه، فلهو معتنق أيَّما اعتناق لعقيدة التعصب الفكري، وهو يدعو عنوة لنصرة الزمرة التي يهفو إليها قلبه، وإلى التآلب والتكالب على من يخالفونهم في الرؤى والتوجهات، وهنا لا ضير من التنويه بأن التعصب ليس إلا مرض اجتماعي، شفانا الله منه وعافانا.