رسالة إلى المثقفين المغاربة

الكاتب : الجريدة24

20 يناير 2020 - 09:20
الخط :

يونس فنيش

اقتراح نموذج تنموي جديد عاجل يعني ابتكار حلول اقتصادية جديدة عملية مناسبة، قابلة للتنفيذ و مضمونة النتائج، لخلق الثروة و توزيعها بطريقة ذكية، و إنقاذ الطبقة المتوسطة من الفقر الذي أضحى يزحف نحوها بخطى ثابتة تهدد بالشلل الإقتصادي العام و الأزمة الإجتماعية التامة، و من أجل انتشال الطبقة المسحوقة من الفقر المدقع.

و بطبيعة الحال، لا دخل للعامل السياسي أو الأيديولوجي في نموذج التنمية المأمول لأن هذا الأخير يندرج في إطار "عملية إنقاذ عاجلة و مستعجلة"، كما أنه ليس "مشروع عقد اجتماعي جديد". فالأحزاب السياسية التي تقبل بالعمل من داخل المؤسسات و تتدرع مع ذلك بضرورة تغيير نظام تدبير الشأن السياسي العام، من أجل التملص من مسؤولية تقديم نماذجها التنموية، ما هي سوى أحزاب تحاول إخفاء افتقارها لأطر قادرة على التفكير و الإبداع.

و أما التجمعات أو الجمعيات المدنية الأخرى، بما فيها تلك التي لم تقبل بعد العمل من داخل المؤسسات، فعدم المساعدة في هذا الصدد قد يندرج إما في إطار ضعف معرفي أو في إطار أنانية جماعية خاصة محددة أو محدودة؛ ذلك أن، بالرغم من كون العملية صعبة، لا يحق لأحد إخفاء العلم و لو كان في صالح الغير فقط و ليس مباشرة في صالح الذات أو النفس.

بقي إذن وحدهم المثقفون العضويون، و المتخصصون، و الموضوعيون، و الوطنيون، و المستقلون الإنسانيون، من خارج اللجنة المعينة المكلفة بإنشاء النموذج التنموي الجديد، من يستطيعون، كل حسب قدرته و معرفته و إمكانياته، تقديم يد المساعدة للجنة المعينة المكلفة المذكورة، في سبيل الوطن... من أجل الطبقة المتوسطة... من أجل الفقراء...

بلغ الى العلم أن المدة الزمنية المحددة لتقديم اقتراح النموذج التنموي الجديد ستة أشهر. وقت أكثر من كافي بالنسبة لكل مثقف يحب وطنه المغرب، شريطة تفرغه لهذا الأمر، إن استطاع انتشال نفسه من أعبائه و مشاكله اليومية التي قد تذهب بتركيزه بعيدا عن الشأن العام.

هذه فرصة المثقفين المغاربة ليثبتوا أنهم قادرون على رفع تحدي التنمية، حسب المعطيات السياسية و المجتمعية الراهنة، و ليثبتوا أنهم أصحاب المهمات الصعبة "المستحيلة"، و أصحاب الذكاء الثاقب و الفكر النقي الصافي النافذ الذي يخرج من التخلف التقدم.

إن الظرف الآن لا يسمح بأن يقول كل من كان في رصيده مساهمات قيمة في علوم الإقتصاد و المالية و التجارة و السياسة و غيرها، في قرارة نفسه، بأن من أراد المعرفة ما عليه سوى قراءة كتبه أو كتب غيره...

لا! إننا في حاجة لمن يستطيع، من بين المثقفين الحقيقيين، تقديم الملخص العلمي الموجز المفيد الواضح المبسط الشامل الذي يترك "الأحلام الأفلاطونية"، و كل الأيديولوجيات و التعريفات، المعروفة منها و المتجاوزة، أو المبتكرة المخترعة حديثا -إن وجدت-، جانبا، و التركيز على ما يجب و ما يمكن فعلا و حقيقة فعله، حسب الظروف الحالية و الأحوال العامة و الخاصة، و حسب سيكولوجية الشعب و الحكام معا، صوب تحقيق التنمية. إنها ليست مهمة مستحيلة شريطة الإيمان بالقدرة على تحقيقها.

فلو اعتبر المثقفون العضويون، و المتخصصون، و الموضوعيون، و المستقلون الإنسانيون، بأن صناعة نموذج تنموي جديد مشروع وطني يحتاج بشدة إليهم، رغم الحيف، و نكران الجميل، و انعدام ثقافة الإعتراف بالمجهود و بالمنتوج الثقافي و الفكري المستقل الوطني المحض، و رغم التهميش الذي يطال بعضهم أو جلهم، فلا شك أن النموذج التنموي الجديد سيكون مآله النجاح الأكيد.

جميعنا ربما -تقريبا- نعلم أن لا أمل في الأحزاب السياسية الحالية -و معذرة على الصراحة-، فلا داعي للشرح أو لإعادة الشرح و التفسير في هذا الموضوع، فليترك المثقفون الحقيقيون الأحزاب لشأنهم، و لينهمك كل مثقف حقيقي، حسب قدرته و إمكانياته، في التفكير في نموذج تنموي علمي ينقذ المغرب و المغاربة من التدهور و الفقر و الهوان.

دراسة موجزة للقائمة. تحليل وظيفي. تحليل علمي... ثم الخروج باقتراح قابل للتطبيق من أجل تنمية أكيدة حسب جدول زمني دقيق. مهمة صعبة. صحيح. ولكنها ليست أبدا مهمة مستحيلة شريطة التفرغ لها من جهة، و إرغام النفس على ترك كل الخلافات جانبا من جهة أخرى

آخر الأخبار