إعلام التفاهة وإعلام المسؤولية

الكاتب : الجريدة24

12 أبريل 2020 - 10:46
الخط :

مصطفى العراقي

في العقدين الماضيين على الخصوص انتشر "إعلام " ينتحل صفة الإعلام. يتاجر بالإثارة والإشاعة وبمآسي الأشخاص وبؤسهم .. ينشر تحت الطلب .. يكتب من محبرة "زده ألف دينار"...لايترك أثرا لدى الرأي العام سوى تشوهات في الفكر وضحالة في الوعي..
إعلام يقدم المتهم كمجرم حتى ولو ثبتت براءته .لا يعرف لقرينة البراءة مبدأ ولا روحا .يقتحم الحياة الخاصة للناس ...يتسلل تحت وسادات الأزواج أو غير الأزواج متطاولا على حميميتهم لينشر على حبال صفحاته أو أشرطته أحاديثهم وبوحهم وأوضاعهم وهم على السرير..

يغدي التفاهة بتفاهته .. يلبس الإشاعة حقيقة مزورة يضخ فيها إداعاءاته.

إعلام يجري بجشع نحو الربح والإثراء اللاأخلاقي. وبعض مؤسساته لا تتكلم مع عنصرها البشري إلا بلغة هضم حقوقه .
وباختصار ودون أن نسترسل في رسم الصورة . هو إعلام نما وترعرع وانتشر خارج أخلاقيات المهنة. والمؤسف أنه أنتج "إعلاميين" وضعوا ضمير هذه المهنة خارج أقلامهم أو ميكروفوناتهم وكاميراتهم. وانتشروا كذباب يعيث وينشر في البلاد فسادا..

وهاهي جائحة كورونا تفضح وبشكل جلي هذا الإعلام وتعري عن حقائقه . لأنه عجز عن الانخراط في معركة مواجهة عدو يحمل معه موتا مفجعا يهدد به حياة الإنسان ويرغمه على التمترس ببيته طلبا للنجاة .. بل هاهو هذا الإعلام لم يقلع بعد عن عاداته ونهجه : يجري وراء النميمة . يعتمد الخبر الزائف .. يقوم بالتشهير .. يبث الهلع .. يقوم بتبييض فاسدين مفسدين ويسود صورة نزهاء نظفاء اليد والسلوك..

هاهي الجائحة تؤكد أننا بحاجة إلى إعلام بمبادئ وقيم وضمنه صحافة بأخلاق والتزامات .لتقديم الخبر بكل مصداقية والمعلومة بكل دقة. صحافة تنوع أجناسها لتقدم للجمهور أطباقا تغذي معرفته وتطور أفكاره وتؤسس رأيه بكل مسؤولية وتجعل منه مواطنا منخرطا بإيجابية في بناء مجتمعه . مواطن يمتلك آلية النقد بتوازن دون انسياق.

لقد وجدت وسائل الإعلام الوفية لانتمائها وماتحمله على عاتقها وجدت نفسها تدافع عن مصداقيتها وسط تجار المهنة . ووسط طحالبها وأعشابها الضارة بالمجتمع . ومما زاد جسد المجال تعفنا وأمراضا هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتي تم توظيفها بأشكال سلبية استفادت من مجانيتها وسرعة بثها لمضامين تعج بالأخبار الزائفة تستغل براءة الأطفال تهين كرامة وإنسانية المرأة تتهم الناس زورا وبهتانا .تشجع على الفساد بكل أشكاله ...

اليوم يستعيد الإعلام عافيته . هاهي الصحافة الورقية في صيغتها الرقمية( pdf) تقدم محتوى يتنوع في مضامينه من إخبار وتحسيس ومعالجة للوقائع وتتبع للمعطيات وتدقيق للمعلومة من مصادرها .. هاهي القنوات التلفزية والإذاعة الوطنية بالخصوص تشد إليها المستمعين والمشاهدين إلى برامج تواكب المرحلة العصيبة التي يعرفها المغرب والعالم .. إعلام يساعد السلطات العمومية في توضيح أهمية الإجراءات المتخذة ويساعد المواطن على استيعاب التدابير التي تحافظ على الأمن الصحي والاجتماعي .. صحافة ومواقع الكترونية أكدت مصداقيتها ومهنيتها التي حجبتها سحب التلوث المنبعثة من إعلام التفاهة ..
هاهو الإعلام يختار الموقع والجبهة التي تنسجم مع أدواره الحقيقية . ليس فقط تقديم الأخبار والمواضيع التي تفرضها المهنة .بل أيضا دعم كل الذين يوجدون كطلائع في الخط الأول للدفاع عن الحياة وإنقاذ أرواح أصابها المرض .في المستشفيات كأطباء وممرضين ومهنيي الصحة . كمنظفين .. في الشوارع . كقوات عمومية وكأطر للإدارة الترابية وأعوانها يسهرون على احترام التدابير.. كعمال بمواقع الإنتاج للحفاظ على تموين السوق بحاجياتها...وهذه المهام المنوطة بإعلام وفي لرسالته الحقيقية يعجز اللاإعلام عن القيام بها لأنه ببساطة لا يؤمن بها ولا يجعلها ضمن دائرة أدواره ..

لكن من المسؤول عن رسم هذه الخرائط وإفراز هذا الواقع؟؟ من غذى بل وأنشأ منابر ومواقع وربط حبال مشيمتها بإشهار وإعلانات حرمت منها عدة صحف ؟؟ من زج بأشباه صحفيين ليحتلوا الصفوف الأمامية في الندوات الصحفية والمؤتمرات وخلق لهم بورصة مضاربات : من يلمع أكثر ؟ من يلوث أكثر؟ من يشهر أكثر؟؟ من يكذب يكذب يكذب أكثر؟؟
المسؤول هو المستفيد من الفساد ومن الريع ومن الجهل ومن الامتيازات دون حق .. المسؤول هو الذي زرع هذه البذور الضارة في حقل الإعلام وسقاها بأظرفة وإغراءات ووعود زائفة..

وإذ نثير هذا الموضوع . لا يعني البثة أننا ضد حرية الرأي والتعبير أو ندعو إلى التضييق عليها . فما يقوم به إعلام التفاهة لا علاقة له بهذه الحرية بل إنه ينتهكها عن عمد وسبق إصرار..ونتمنى أن تكون من بين أولويات جائحة كورونا هو انبثاق مرحلة جديدة نوفر فيها للرأي العام إعلام جدير بمغرب جديد .. وصحافة ذات مصداقية تتصالح مع قرائها ومستمعيها ومشاهديها ومتصفحيها . وما على قبيلة الصحفيين ومؤسساتهم المواطنة عن ذلك بعزيز.

آخر الأخبار